(بلا كيف) أي بلا علم زائد عليه (1) قائم به أو بلا كيف مطلقا لضرورة أن حصول الكيف له يوجب إمكانه ونقصانه والممكن الناقص في حد ذاته لا يصدر عنه مثل هذا الخلق العجيب والصنع الغريب (وإنما الكيفية للمخلوق المكيف) أي للمخلوق الذي بناه على اتصافه بالكيفيات والصفات الزايدة عن ذاته ولذلك كان في مرتبة ذاته خاليا عن جميع الكمالات مستعدا لها استعدادا قريبا أو بعيدا، وأما الخالق الكامل من جميع الجهات فليس له استعداد للصفات أصلا تعالى عن ذلك علوا كبيرا (وكذلك سمينا ربنا قويا لا بقوة البطش المعروف من المخلوق) وهو الأخذ الشديد عند ثوران الغضب والتناول عند الصولة.
وقيل: البطش قوة التعلق بالشيء وأخذه على الشدة، وإضافة القوة; على الأول لامية وعلى الثاني بيانية، وإنما قال: البطش المعروف من المخلوق; لأن البطش قد يطلق عليه سبحانه باعتبار معنى آخر وهو العذاب كما قال: (إن بطش ربك لشديد).
(ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من المخلوق لوقع التشبيه) بينه وبين المخلوق في البطش بهذا المعنى وفيما يتوقف عليه البطش من القوى الجسمانية مثل القوة الغضبية والشهوية ولو احقهما (ولاحتمل الزيادة); لأن القوة الجسمانية قابلة للزيادة إلى حد معين قطعا، ولأن قوة بطش الرب وجب أن تكون زايدة على قوة بطش المخلوق (وما احتمل الزيادة احتمل النقصان) ضرورة أن نصفه وربعه أنقص منه، ولأن ما يحتمل الزيادة يندرج تحت الكم المتصل مثل المقادير أو المنفصل مثل العدد، وكل واحد منهما محتمل للنقصان كما هو محتمل للزيادة (وما كان ناقصا كان غير قديم) (2); لأن القديم كامل من جميع الجهات فما كان ناقصا في ذاته أو في وجوده أو في صفاته كان مفتقرا في استكماله إلى الغير وكل مفتقر ممكن وكل ممكن حادث (وما كان غير قديم كان عاجزا) وما كان عاجزا لا يصلح أن يكون مبدأ لجميع الموجودات، أما الثاني فظاهر.
وأما الأول فلأن كل ما كان غير قديم كان حادثا، وكل ما كان حادثا كان عاجزا مقهورا بين يدي من أحدثه، فقد ثبت من هذه المقدمات أن الرب المبدأ لجميع الخلق لا يجوز أن تقع المشابهة بينه وبينهم بوجه من الوجوه، كما أشار إليه بقوله: (فربنا تبارك وتعالى لا شبه له) يدل عليه أيضا أنه تعالى ليس بجنس فيعادله الأجناس، ولا بفصل فيشابهه الفصول، ولا بشبح فيضارعه الأشباح، ولا بعرض