ولما كان سؤال الرجل مشعرا بأنه حمل صفات الخالق على ما هو المعروف في الخلق حتى قال ما قال وأجاب (عليه السلام) وهمه بالجواب المذكور زاده إيضاحا بذكر شيء من صفاته الذاتية والسلبية على وجه لائق به تعالى تقويما وتثبيتا له على منهج الصواب، فقال:
(وكذلك سميناه بصيرا لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك) من المبصرات بالذات أو بالعرض يعني أن المراد بكونه بصيرا كونه عالما بتمام المبصرات جليها وخفيها حتى أنه لا يخفى عليه أثر الذرة الصماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء (ولم نصفه ببصر لحظة العين) لتنزهه عن الآلة البصارة التي هي من خواص الحيوان، والإبصار بهذه الآلة هو الذي لا يمكن تحققه بدون وجود المبصرات دون الإبصار بالمعنى المذكور.
وفي كتاب التوحيد للصدوق: «ولم نصفه بنظر لحظ العين».
(وكذلك سميناه لطيفا) قد يراد باللطيف رقيق القوام، وقد يراد به صغير الجسم، وقد يراد به عديم اللون من الأجسام، والله سبحانه منزه عن إطلاق اللطيف عليه بأحد هذه المعاني لاستلزامها الجسمية والإمكان فبقي أن يكون إطلاقه عليه باعتبار آخر وهو علمه بذوات الأشياء الصغيرة الحقيرة وصفاتها وأفعالها وحركاتها كما أشار إليه بقوله (لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأخفى من ذلك) (1) مما لا يكاد تستبينه العيون وتدركه الأبصار ويفرق بين الذكر والأنثى وبين الحديث المولود والقديم لكمال صغره (موضع النشء منها والعقل) (2) النشء بفتح النون وسكون الشين المعجمة والهمزة أخيرا بالضمتين وتخفيف الواو قبل الهمزة على وزن فعول وبالضمتين وتشديد الواو مثل النمو على القلب والإدغام مصدر «نشأ الغلام» إذا شب وارتفع من حد الصبا وقرب من الإدراك وقد يسمى به النسل أيضا فيقال هذا نشء سوء، وبكسر النون وسكون الشين والواو أخيرا بمعنى شم الريح جمع نشوة، ويؤيد هذا وقوع نشوة في بعض النسخ والمراد أنه يعلم موضع القريب