شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٨
(وكذلك قولك عالم إنما نفيت بالكلمة الجهل وجعلت الجهل سواه) لا أنك أثبت له علما زايدا عليه وكذا الحال في سائر الصفات الكمالية إنما يقصد منها نفي ما يقابلها، ثم أوضح أن علمه وقدرته وغيرهما مما يليق به إنما هو بنفس ذاته لا بالأسماء والصفات بوجه آخر مقابل للوجه الأول وهو أن العلم باق لا يزال، وتلك الأسماء والصفات يطرأ عليها العدم والفناء. فقال: (وإذا أفنى الله الأشياء) (1) أي إذا تعلقت إرادته الكاملة بفناء الأشياء التي هي في حد ذاتها باطلة غير مستحقة للوجود (أفنى الصورة) أي الصورة اللفظية والمعنوية يعني أفنى اللفظ ومفهومه القائم بالنفوس السالفة والعقول العالية (والهجاء والتقطيع) فيصير بعد الوجود معدوما كما صار بعد العدم موجودا مثل سائر الممكنات (ولا يزال عالما من لم يزل عالما) يعني أن الحق بذاته عالم لا يزال كما أنه عالم لم يزل من غير انتهاء لعلمه ولا ابتداء، فعلم أن علمه ليس باعتبار هذا اللفظ أعني العالم ولا باعتبار مفهومه الذي يدركه الخلق وكذلك بواقي الأسماء (فقال الرجل) إذا كان الله ولم يكن معه غيره (فكيف سمينا ربنا سميعا؟) وكونه سميعا في الأزل يقتضي وجود المسموع فيه والحال أنه ليس معه في الأزل شيء.
(فقال): سمينا ربنا سميعا (لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع) (2) من الأصوات يعني سمعه عبارة عن علمه الأزلي بأصوات خلقه ولغاتهم ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر منها أو أصغر (ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس) لامتناع احتياجه إلى الآلة، والسمع بهذا المعنى هو الذي يقتضي وجود المسموع ولا يتحقق بدونه.

١ - قوله «إذا أفنى الأشياء» فناء الأشياء بمعنى تفرق أجزائها وزوال صورها وانتفاء منافعها لا بمعنى العدم الصرف وكذلك قوله تعالى (كل من عليها فان) و (كل شيء هالك إلا وجهه) وأمثال ذلك إلا أن يقال بأن المراد بالفناء الهلاك الذاتي للمكن فإنه من جهة ذاته ليس وإنما يصير موجودا بعلته، قال العلامة المجلسي - رحمه الله - في البحار: وأكثر متكلمي الإمامية على عدم الانعدام بالكلية، ثم نقل كلام المحقق الطوسي - رحمه الله - في التجريد: «والسمع دل عليه ويتأول في المكلف بالتفريق كما في قصة إبراهيم (عليه السلام) انتهى» واختار المجلسي (رحمه الله) التوقف قال: والحق أنه لا يمكن الجزم في تلك المسألة بأحد الجانبين ثم طعن على الشيخ المفيد والطبرسي قدس سرهما أشد طعن وأفحشه وقال: إنهما خرجا عن صريح آيات القرآن في نفخ الصور إذ قالا إن الصور جمع الصورة، والنفخ في الصور بمعنى النفخ في صورة الأشباح والأجسام حتى يحيى نظير النفخ في صورة آدم وهو يدل على وجود الأجسام عند النفخ وعدم انعدامها. (ش) 2 - قوله: «لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع» وهذا معنى قول الحكماء أن علمه تعالى بالجزئيات بالوجه الكلي لا بالإحساس فإن الإحساس إنما هو بتأثر الآلات والجوارح (ش).
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست