شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٥٢
ويعلم أفرادها عند وجودها (1) واستدل عليه بأنه لو علم الجزئيات قبل وجودها لزم سلب القدرة عنه تعالى وعن العبد لأن ما علم وجوده وجب وجوده وسلب القدرة ينفي الربوبية والعبودية والوعد والوعيد والثواب والعقاب وبعث الرسل وإنزال الكتب وأجاب عنه بأن العلم تابع للمعلوم لا علة له، فإن قلت: علمه بالأشياء في الأزل عبارة عن حضورها بعينها عنده وعدم غيبتها عنه وكيف يصح ذلك مع القول بحدوثها قلت: قد عرفت وجه ذلك فيما ذكرناه آنفا ونحن نقتصر هنا على كلمة إذا تأملت فيها حق التأمل وجردت ذهنك اللطيف عن الأحكام الوهمية علمت أن علمه الأزلي بالحوادث لا ينافي حدوثها ولا يقتضي قدمها وتلك الكلمة هي أنه تعالى شأنه عالم اليوم بالشيء الذي يوجد غدا وذلك الشيء حاضر عنده اليوم (2) كما أنه حاضر عنده غدا لا لأنه موجود اليوم بل لأنه تعالى لما لم يكن زمانيا (3) كان نسبته إلى اليوم والغد على السواء تأمل تعرف.

١ - «ويعلم أفرادها عند وجودها» قال الشهرستاني في الملل والنحل: ومن مذهب هشام أنه تعالى لم يزل عالما بنفسه ويعلم الأشياء بعد كونها بعلم لا يقال فيه محدث أو قديم. وهذا يخالف ما نقل عنه القطب بعض المخالفة لأنه تعالى على ما حكاه القطب عنده يعلم جميع المهيات بوجه كلي وعلى حكاية الشهرستاني لا يعلم شيئا إلا نفسه ولعل هشام بن الحكم قال شيئا لم ينل السامعون والحاكون حقيقة مراده لأن المؤسسين من أولي الفكر يختلج في ذهنهم أمور لم يسبق إليه غيرهم فيخترعون لما يرد في أذهانهم ألفاظا غير معهودة الاستعمال قبلهم فيتبادر ذهن السامعين إلى معنى ليس مطابقا لمقصود القائل.
ألا ترى إلى قوله في العلم لا محدث ولا قديم فإنه لا يفهم منه العامة شيئا أصلا فإن الشيء أما محدث أو قديم ولا واسطة بينهما لكن هشاما اختلج بباله معنى متوسط بين المحدث المتبادر منه الحادث الزماني وبين القديم الذاتي والمتوسط الحادث الذاتي فعبر عنه بما عبر، وكذلك كثير من أساطين الحكمة والشرع لهم اصطلاحات خاصة في معان اختصوا بتعقلها وربما يذهب ذهن السامع إلى شيء بحسب الاصطلاح العام فيورث سوء الظن بهم حاشاهم عن ذلك ثم أن ما حكي عن هشام ربما يشبه في ذهن السذج بما ينسبه غير المتدبر إلى بعض الفلاسفة من أنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا على وجه كلي وليس به.
وبالجملة فلا يترك المعلوم وهو جلاله قدر هشام بن الحكم بما لا يعلم صحته ويظن عدم فهم الناقلين لمراده ونقل مقصوده محرفا كما نرى في الأزمنة المتأخرة من نقل الأباطيل من أساطين العلم لسوء فهم الناقل حتى أني رأيت من يقدح في الفيض (قدس سره) بأنه مروج طريق الصوفية أو معتقد لمقالاتهم وهو عجيب. (ش) 2 - قوله «وذلك الشيء حاضر عنده» الشيء الموجود في الزمان المستقبل لا يمكن أن يكون حاضرا مشاهدا لنا الآن لأن مشاهدتنا عبارة عن تأثير ذلك الشيء في حاستنا وهو غير موجود الآن حتى يؤثر ولا يجوز قياس علم الله تعالى وإدراكه على مشاهدتنا لأن علمه تعالى ليس بتأثر حاسة بل برابطة العلية فجاز أن يكون الحاضر والمستقبل والماضي سواء عنده في الحضور فإنه علة للجميع. (ش) 3 - قوله «لأنه لما لم يكن زمانيا» قد تواتر هذا المعنى عن الأئمة الهداة (عليهم السلام) خصوصا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فنفوا عنه الزمان كما نفوا عنه المكان وكان أن الأوهام العامية لا تتصور وجود موجود لا في مكان كذلك لا تتصور وجود موجود لا في زمان والواجب في ذلك متابعة الدليل العقلي وأقوال الأئمة (عليهم السلام) وإن لم تخضع الواهمة لها، نظير أن الميت جماد، والجماد لا يخاف عنه فإنه ثابت بالعقل وإن لم يعترف به الواهمة وفي كتاب أثولوجيا لبعض اليونانيين الشيء الزماني لا يكون إلا في الزمان الذي وافق أن يكون فيه فأما الفاعل الأول فقد كان لأنه ليس هناك زمان فإن الشيء الملاقى في الزمان المستقبل قائم هناك فلا محالة أنه هناك إنما يكون موجودا قائما كما سيكون في المستقبل، فالأشياء إذن عند الباري جل ذكره كاملة تامة زمانية كانت أو غير زمانية وهي عنده دائما وكذلك كانت عنده أولا كما تكون عنده أخيرا انتهى.
وما أشبه هذا الكلام بقوله (عليه السلام) في هذا الحديث فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه ولا يمكن أن يكون أحد الكلامين مأخوذا من الآخر بسهو الراوي وبأن ينسب ما رآه في أثولوجيا عن الباقر (عليه السلام) أو يثبت ما سمعه من الإمام في كتاب أثولوجيا فإن الإمام (عليه السلام) مقدم على ترجمة هذا الكتاب أكثر من مائة سنة وكتاب أثولوجيا باللسان اليوناني قديم كان قبل الإسلام متواترا وليس هذا إلا لتطابق الوحي والعقل وكلام الحكماء والمتكلمين وعلماء الشريعة وأصحاب الحديث من الإمامية في نفي الزمان عنه تعالى كثير لا حاجة إلى نقلها. (ش)
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست