ولا ريب في أن هذا إيراد على الأشاعرة واستدلوا على ذلك بأن كلامه تعالى صفة له وكل ما هو صفة له فهو قديم فكلامه قديم وإذ ليس هو هذه الحروف المركبة ومعانيها المرتبة الدال عليها الفظ بحسب الوضع والتأليف لحدوثهما فهو أمر آخر، وهو المراد بالكلام النفسي القائم بذاته تعالى وأنت تعلم أن هذا الكلام لا طايل تحته لأن قولهم كلامه تعالى صفة له ممنوع وإنما يتم ذلك لو ثبت الكلام النفسي فإثباته من باب المصادرة على المطلوب ولو أثبتوه بأنه تعالى متكلم بالاتفاق والمتكلم في اللغة من قام به صفة التكلم والكلام، قلنا أولا لا نسلم أن المتكلم معناه ما ذكرته بل معناه فاعل الكلام واسم الفاعل معناه فاعل الفعل سواء قام به الفعل أو لا، ويؤيده ما ذكره الفخر الرازي في أوايل تفسيره الكبير من أن الكلام عبارة عن فعل مخصوص جعله الحي القادر لأجل أن يعرف غيره ما في ضميره من الاعتقادات والإرادات وعند هذا يظهر أن المراد من كون الإنسان متكلما بهذه الحروف مجرد كونه فاعلا لها لهذا الغرض المخصوص انتهى.
وثانيا أن الموجود يطلق على الموجودات حقيقة مع أن الوجود عندكم عين تلك الموجودات لا صفة قائمة بها، وذهب الكرامية إلى أن كلامه (1) حادث قائم بذاته تعالى وهو يخلق الأصوات والحروف في ذاته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
* الأصل:
2 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كان الله عز وجل ولا شيء غيره ولم يزل عالما بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه.