شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٢
شئ والليل والنهار شئ آخر فهما شيئان وعلى الاحتمال الأخير مفعول ثان لترى وإشارة إلى اضطرار الشمس والقمر في أحوالاتهما، وقد أشار إلى وجه اضطرارهما أو اضطرار الجميع بقوله (ليس لهما مكان إلا مكانهما) فإن لكل واحد من الشمس والقمر من حيث الحجم والجسمية مكانا مخصوصا من الفلك هو مركوز فيه لا يخرج منه أبدا إلى مكان آخر ومن حيث الحركة أمكنة معلومة هي مداراته اليومية التي يتحرك فيه ذاهبا من الشمال إلى الجنوب وعائدا من الجنوب إلى الشمال دائما من غير تخلف ولا وقوف وكذا لكل واحد من الليل والنهار محل مخصوص لا يقع فيه التبادل والتعاكس بالكلية بأن يستقر الليل كله في محل النهار ويستقر النهار كله في محل الليل ومن تفكر فيه تفكرا صحيحا واستعان بالحدس الصايب علم يقينا أنهما مضطران في ذلك.
(فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعا) دائما على النظام المشاهد من غير تخلف أصلا ولم لا يذهبان على وجههما وقتا ما كما هو شأن صاحب الإرادة (وإن كانا غير مضطرين) في الذهاب والرجوع وكان لهما اختيار فيهما (فلم لا يصير الليل نهارا) بأن ترجع الشمس باختيارها فوق الأفق من الغرب إلى الشرق فيكون النهار سرمدا (والنهار ليلا) بأن ترجع تحت الأفق من الشرق إلى الغرب فيكون الليل سرمدا فدل ذهابهما ورجوعهما واتساق حركتهما وانضباط أمرهما وانضباط الليل والنهار دائما على أنهما مضطران في هذه الأمور وفي دوامهما، كما أشار إليه مؤكدا بالقسم ترويجا له لكون المخاطب في مقام الشك بعد بقوله (اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما) على الأوصاف المذكورة وعلى النحو المشاهد فلهما فاعل قدير عليم خبير قاهر مدبر دبر في أمرهما كيف شاء لمنافع جليلة ومصالح كثيرة يعجز عن عدها اللسان ويقصر عن وصفها البيان وفيه دلالة على أن حركتهما ليست إرادية ولا طبيعيه لأن كون حركة المتحرك دائما على نهج واحد من غير تبدل وتغير وإلى جهة ووضع، ثم تركهما بعد البلوغ يدل على أن تلك الحركة ليست مستندة إلى الإرادة والاختيار كما يحكم به العقل مع الانصاف والحدس الصايب وليست طبيعية لأن الطبيعية لا تقتضي شيئا والصرف عنه بالضرورة.
فإن قلت: دوامهما على ذلك لكونهما مركوزين في الفلك والفلك يحركهما كذلك.
قلت: هذا اعتراف بالاضطرار وأما الفلك فحركته أيضا على هذا النحو دائما اضطرارية وإلا فلم لا يتغير ولا يتبدل ولا يسرع ولا يبطي ولا يعكس ولا يسكن وقتا ما مع تجويز العقل حركته على أنحاء متفاوتة وجهات مختلفة فاستقراره على هذا النحو دل على أنه مضطر مقهور وله فاعل قاهر خارج عنه وليس لمن قال: بأن حركته إرادية لقصد التشبه بالكامل دليل يعتد به ولو ثبت ذلك ثبت
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست