إجماع فما لم يرد فيه إذن ولا منع لا يجوز.
واختلفت العامة في هذا القسم فقيل فيه بالوقف وقيل بالمنع، وقيل: إن أوهم معنى يستحيل امتنع وإن لم يوهم جاز.
وقال الباقلاني: يجوز أن يسمى بكل ما يرجع إلى ما يجوز في صفته كسيد وحنان ما لم يجمع على منع ما يجوز مثل عاقل وفقيه وسخي قال: وكره مالك التسمية بسيد وحنان بناء على أنه لم يرد عنده فيهما إذن ولا مانع وأما ما لا يجوز في أصله فلا يسمى به وإن كان الله تعالى وصف به نفسه بالفعل المشتق منه ذلك الاسم نحوه «الله يستهزئ بهم» و «سخر الله منهم» ومكر الله فلا يقال: يا مستهزىء ويا ساخر ويا ماكر لأن ما يستحيل عليه تعالى لا يجري منه عليه إلا قدر ما أطلقه السمع.
وهم أيضا اختلفوا في صبور ووقور فمنعه الباقلاني لأن الوقور الذي يترك العجلة في دفع ما يضره، والصبور الذي يتحمل الأذى. وبعضهم أجاز ذلك بناء على أن معناهما يرجع إلى الحلم.
(ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره) أي فاعلموا واعتقدوا أنه تعالى غير ما توهمتموه وذلك لأن الآلات البدنية والعقول البشرية لكونها قاصرة عن إدراك ذاته وتناول صفاته كل ما أدركته فهو مخلوق محدود مثلها بعيد عن جناب الحق وساحة القدس، وسر ذلك أن النفس الناطقة لا تدرك الجزئيات الموجودة في نفس الأمر ومهياتها إلا بالآلات الجسمانية فلا تقدر أن تدرك الجزئي المجرد المنزفه عن المهية والمواد بالكلية.
(ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط) أي الجماعة القايمين على الوسط يعني العدل في العلم والعمل، وينبغي أن يعلم أن طريق السالكين إلى الله تعالى إنما يستقيم بالعلم والعمل، والعلم طريق القوة النظرية والعمل طريق القوة العملية وكل واحد منهما واقع بين رذيلتين رذيلة الإفراط ورذيلة التفريط كالإبطال والتشبيه في معرفته تعالى والوسط بينهما هو العدل وهو طريق آل محمد (عليهم السلام) (الذي لا يدركنا الغالي) الموصول صفة للنمط الأوسط وإفراده باعتبار اللفظ والأصل أن يقول لا يدركه بالضمير للموصول إلا أنه أتى بضمير المتكلم من باب الالتفات من الغيبة إلى التكلم للتصريح بالمقصود كما في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا الذي سمتني أمي حيدرة» والعالي بالعين المهملة المتجاوز عن حد الفضايل الإنسانية التي مدارها على الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة وبالغين المعجمة من الغلو الواقع في طرف الإفراط من الأمور المذكورة فهو قريب مما ذكر.
(ولا يسبقنا التالي) أي لا يسبق إلينا التالي، بالحذف والإيصال ليوافق قوله: «لا يدركنا»، والتالي