احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (1) (ولا يبلغون كنه عظمته) لإنهم لا يقدرون على تحديد كنه عقولهم وتعيين حقيقة نفوسهم فكيف يقدرون على معرفة كنه عظمة الباري وعلى البلوغ إلى مالها من كمالها مع أنها أرفع الأشياء عنهم رتبة وأبعدها منهم منزلة فمن قدر كنهها بعقله الضعيف فقد ضل وهلك وهو من الجاهلين» كما أشار إليه سيد الوصيين بقوله «ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين (2)».
(لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) أي لا تدركه العقول الثاقبة والمشاعر الظاهرة والباطنة وهو يدرك هذه القوى ومدركاتها (وهو اللطيف الخبير) يعلم كاشفات الأمور وجلياتها وأسرار القلوب وخفياتها.
(ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث) لأن الاتصاف بالكيفيات والاستقرار في المكان من لوازم الجسمية وتوابع الإمكان وقدس الحق منزه عنها (وكيف أصفه بالكيف) كيف هنا للإنكار أو للتعجب كما في قوله تعالى (وكيف تكفرون بالله) (وهو الذي كيف الكيف) أي جعله جعلا بسيطا أو جعلا مركبا (حتى صار كيف فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف) والكيف معروف لنا وحال فينا أحوال بعضها نقص وبعضها كمال تتم به ذواتنا وتكمل هيئاتنا، وشئ من ذلك لا يليق بقدس الحق ولا نعرف كيفا غير ذلك.
(أم كيف أصفه بالأين) أي بالحصول فيه (وهو الذي أين الأين حتى صار أينا فعرفت الأين بما أين لنا من الأين) والأين المعلوم لنا هو الذي نحن مستقرون فيه ومفتقرون إليه، ولا نعلم أينا سواه، وجناب الحق منزه عن أن يحل في شيء ويفتقر إليه.
(أم كيف أصفه بحيث) يحتمل أن يراد منه نفي وصفه بحيثية تقييدية توجب التكثر في ذاته أو في صفاته لكن هذا داخل في نفي وصفه بالكيف لأن هذه الحيثية من جملة الكيفيات، ويحتمل أن يراد منه نفي الحصول في المكان وهذا بحسب الظاهر وإن كان داخلا في نفي الحصول في الأين لكن يمكن الفرق بينهما بأحد الوجهين أحدهما أن المراد بالأين نفي النسبة إلى المكان المطلق، وبحيث نفي النسبة إلى المكان المخصوص، وثانيهما أن حيث يضاف إلى جملة يحتاج إليها بخلاف أين وذلك لأن وضع حيث كما صرح به ابن الحاجب في شرح المفصل لمكان منسوب إلى نسبة لا تحصل إلا بالجملة ووزانه في احتياجه إليها كاحتياج الذي إليها من أن وصفه لمن قامت به هذه النسبة.