هو المقصر عن بلوغ هذه الفضائل والواقع في طرف التفريط منها، والمقصود من هاتين الفقرتين هو الشكاية بعدم رجوع المفرطين إليهم وعدم لحوق المقصرين بهم، مع الإشارة إلى أن ولاية امور العباد ووراثة علم النبوة وخلافة الامة موجودة فيهم وأن بهم يكتسب الشخص تلك الفضائل ويستحق تلك الخصائل ولا ريب في ذلك فإن الفضائل وإن وجد بعضها في غيرهم فعنهم مأخوذ وإليهم منسوب وبالله التوفيق.
(يا محمد إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نظر إلى عظمة ربه) ورأى نورها ببصيرة قلبه (كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة) يعني أن الظرف حال عن فاعل رأي لا عن الرب ومعناه أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عند رؤية نور عظمته تعالى في هذه الهيئة والصورة دون الرب جل شأنه كما زعموا لتعاليه عن الهيئة والصورة والوجود المحدود بزمان، فإن قلت نظره هذا إلى عظمة ربه كان بعد البعثة وقد بعث بعد ما مضى عن عمره الشريف أربعون سنة فكيف صح أنه كان حينئذ في سن أبناء ثلاثين قلت: كون هذا النظر بعد البعثة غير معلوم على أنه لو ثبت ذلك فلا منافاة لأنه قال: كان في هيئة الشاب الموفق وفي هيئة سن أبناء ثلاثين لأنه كان له حينئذ ثلاثون سنة ويحتمل أن يعود. ضمير كان إلى الرب ويكون هذا الكلام واردا على سبيل الإنكار ولكنه بعيد جدا.
(يا محمد عظم ربي عز وجل) أي جاوز قدره ورفع شأنه (أن يكون في صفة المخلوقين) لوجوب التباين بين الخاق والمخلوق وامتناع اتصافه بما هو من لواحق الإمكان.
(قال: قلت: جعلت فداك من كان رجلاه في خضرة؟ قال: ذلك محمد) يعني أن الضمير في قوله «ورجلاه في خضرة وباقي جسده خارج» راجع إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا إلى الرب تعالى شأنه كما فهموه لتعاليه عن أن يكون له جسد ورجل وتشابه بخلقه.
(كان إذا نظر إلى ربه بقلبه) وعرفه حق المعرفة الذي هو في أعلى مراتبها المقدورة للبشر (جعله في نور) أي جعل الرب محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو جعل قلبه في نور من تجليفاته (مثل نور الحجب) (1) الذي هو أيضا من تجليات عظمته وكبريائه لتحصل المناسبة التامة بينه وبين الرب.