شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٠٥
هو المقصر عن بلوغ هذه الفضائل والواقع في طرف التفريط منها، والمقصود من هاتين الفقرتين هو الشكاية بعدم رجوع المفرطين إليهم وعدم لحوق المقصرين بهم، مع الإشارة إلى أن ولاية امور العباد ووراثة علم النبوة وخلافة الامة موجودة فيهم وأن بهم يكتسب الشخص تلك الفضائل ويستحق تلك الخصائل ولا ريب في ذلك فإن الفضائل وإن وجد بعضها في غيرهم فعنهم مأخوذ وإليهم منسوب وبالله التوفيق.
(يا محمد إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين نظر إلى عظمة ربه) ورأى نورها ببصيرة قلبه (كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة) يعني أن الظرف حال عن فاعل رأي لا عن الرب ومعناه أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عند رؤية نور عظمته تعالى في هذه الهيئة والصورة دون الرب جل شأنه كما زعموا لتعاليه عن الهيئة والصورة والوجود المحدود بزمان، فإن قلت نظره هذا إلى عظمة ربه كان بعد البعثة وقد بعث بعد ما مضى عن عمره الشريف أربعون سنة فكيف صح أنه كان حينئذ في سن أبناء ثلاثين قلت: كون هذا النظر بعد البعثة غير معلوم على أنه لو ثبت ذلك فلا منافاة لأنه قال: كان في هيئة الشاب الموفق وفي هيئة سن أبناء ثلاثين لأنه كان له حينئذ ثلاثون سنة ويحتمل أن يعود. ضمير كان إلى الرب ويكون هذا الكلام واردا على سبيل الإنكار ولكنه بعيد جدا.
(يا محمد عظم ربي عز وجل) أي جاوز قدره ورفع شأنه (أن يكون في صفة المخلوقين) لوجوب التباين بين الخاق والمخلوق وامتناع اتصافه بما هو من لواحق الإمكان.
(قال: قلت: جعلت فداك من كان رجلاه في خضرة؟ قال: ذلك محمد) يعني أن الضمير في قوله «ورجلاه في خضرة وباقي جسده خارج» راجع إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا إلى الرب تعالى شأنه كما فهموه لتعاليه عن أن يكون له جسد ورجل وتشابه بخلقه.
(كان إذا نظر إلى ربه بقلبه) وعرفه حق المعرفة الذي هو في أعلى مراتبها المقدورة للبشر (جعله في نور) أي جعل الرب محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو جعل قلبه في نور من تجليفاته (مثل نور الحجب) (1) الذي هو أيضا من تجليات عظمته وكبريائه لتحصل المناسبة التامة بينه وبين الرب.

1 - قوله «مثل نور الحجب» قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار اعلم أنه قد تظافرت الأخبار العامية والخاصية في وجود الحجب والسرادقات وكثرتها، ثم قال: وظاهر أكثر الأخبار أنها تحت العرش ويلوح من بعضها أنها فوقه وروي من طريق المخالفين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «أن لله تبارك وتعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه ما دونه» إلى أن قال: والتحقيق أن لتلك الأخبار ظهرا وبطنا وكلاهما حق فأما ظهرها فإنه سبحانه كما خلق العرش والكرسي مع عدم احتياجه إليهما كذلك خلق عندهما أستار أو حجبا وسرادقات.
وقال أما بطنها فلأن الحجب المانعة عن وصول الخلق إلى معرفة كنه ذاته وصفاته أمور كثيرة منها ما يرجع إلى نقص المخلوق وقواه ومداركه بسبب الإمكان والافتقار والاحتياج والحدوث وما يتبع ذلك من جهات النقص والعجز وهي الحجب الظلمانية، ومنها ما يرجع إلى نوريته وتجرده وتقدسه ووجوب وجوده وكماله وعظمته وجلاله وساير ما يتبع ذلك وهي الحجب النورانية إلى آخر ما قال. (ش)
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست