شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٥٦
(فانظروا إلى عظيم خلقه) فإنه أظهر عظمته للعقول بما أراها من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم، فمن شواهد عظمته خلق السماوات المرفوعات بلا عمد القايمات بلا سند.
دعاهن فأجبن طايعات لقدرته القاهرة وأتين مذعنات لإرادته الكاملة. ومنها خلق النجوم السايرات والكواكب الساكنات التي يستدل بها الحاير في فجاج الأقطار والساير في لجج البحار، ومنها خلق الحيوانات وإرشادها إلى مطالبها وإلهامها السعي إلى مقاصدها، ألا تنظرون إلى صغير ما خلق كالنملة كيف أحكم خلقها وأتقن وتركيبها وأقامها على قوايمها وبناها على دعايمها، وفلق لها السمع والبصر وسوى لها العظم والبشر وجعل لها مجاري أكلها كالحلق والإمعاء وشراسيف بطنها كالعظام والأضلاع، وخلق في رأسها عينا باصرة وإذنا سامعة وشامة قوية تدرك بها من مسافة بعيدة وهي مع صغر جثتها ولطافة هيئتها بحيث لا تكاد تنال بلحظ النظر ولا بقوة الفكر تدب على الأرض وتطلب الرزق وتنقل الحبة إلى حجرها وتعدها في مستقرها وتجمع في حرها لبردها لا يغفل عنها المنان ولا يحرمها الديان في الصفا اليابس والحجر الجامس، فإنكم إذا نظرتم إلى ما ذكر، وإلى غيره من عجايب الخلق وغرايب التدبير ولطايف التقدير علمتم أن خالقها موصوف بالكبرياء والعظمة ومنعوت بالعلو والرفعة، وقلتم سبحان من لا يعرف منتهى عظمته العارفون ولا يعلم نهاية قدرته العالمون.
* الأصل:
8 - محمد بن أبي عبد الله رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) [يا] ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق أبرة لغطاه تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت تملأ عينيك منها فهو كما تقول.
* الشرح:
(محمد بن أبي عبد الله رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) [يا] ابن آدم) بحذف حرف النداء في النسخ المشهورة وبذكرها في بعض النسخ وفي كتاب الاعتقادات للصدوق (رحمه الله) (لو أكل قلبك طاير) صغير مثل العصفور ونحوه (لم يشبعه) لغاية صغره وحقارته.
(وبصرك) وهو ما يرى من العين لا كلها (لو وضع عليه خرق أبرة لغطاه) ومنعه من الرؤية، والخرق بالفتح والتسكين مصدر خرق الثوب والخف ونحوهما من باب ضرب، ثم سمي الثقبة ولذا يجمع فيقال: خروق وقد لا يجمع نظرا إلى الأصل وفي بعض النسخ «خرت إبرة» والخرت بفتح الخاء المعجمة أو ضمها وسكون الراء المهملة والتاء المثناة من فوق ثقب الإبرة والفاس والاذن ونحوها والجمع خروت وأخرات.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست