شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٥٢
فأقام على أحدهما أحبط الله عمله إن حجة الله هي الحجة الواضحة ولا بعد في ذلك إذ كما أن الذنوب الظاهرة قد توجب سلب النعمة الواصلة على ما روي ما أنعم الله على عبد نعمة فسلبها إياها حتى يذنب ذنبا يستحق بذلك السلب ودل عليه أيضا قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كذلك الذنوب الباطنة (1) قد توجب سلب نعمة الثواب التي حصلت بعمل آخر كما ورد أن الخلق السيء يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل وتخصيص الشك هنا بالشك في الله وتخصيص العمل بالجدال الصحيح قبل بلوغه إلى حد المخاصمة أيضا محتمل.
(وتردي صاحبها) الردي الهلاك ردي بالكسر يردى رديا أي هلك وأرداه غيره أهلكه يعني الخصومات تهلك صاحبها باستحقاق العذاب فإن من تصدى لها لا يكتفي بسلوك سبيل الدفع وذلك لغلبة القوة الشهوية والغضبية وشوق التسلط والترفع عليه.
(وعسى أن يتكلم بالشيء) من ذات الواجب وصفاته أو غير ذلك من من الأمور الدينية وفي بعض النسخ في الشيء (فلا يغفر له) لفخامة قبحه وسوء عاقبته كما قال سبحانه (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) وقال الصادق (عليه السلام): «من هم بسيئة فلا يعملها إنه ربما عمل العبد السيئة فسيراه الرب تبارك وتعالى فيقول:
وعزتي وجلالي لا غفر لك بعد ذلك أبدا».
(إنه كان فيما مضى قوم تركوا علم ما وكلوا به) أي تركوا علم ما فوض إليهم وطلب منهم من الأحكام والمعارف التي كانت لايقة بالحق وكانت مقدورة لهم.
(وطلبوا علم ما كفوه) (2) كفوا على صيغة المجهول إما ناقص يائي أصله كفيوا فعل به ما فعل

١ - قوله «كذلك الذنوب الباطنة» ما ذكره الشارح عليه الرحمة خروج عن مذهب الطائفة في إبطال الإحباط وكان سهو من قلمه أو لم يرد ظاهر ما يدل عليه كلامه وأما الحبط في كلام الإمام (عليه السلام) فهو اصطلاح خاص غير اصطلاح المتكلمين، وبالجملة إبطال ثواب العمل الصالح بذنب لا يؤدي إلى الكفر ظلم قبيح على الله تعالى والمراد بالحبط في الحديث منع الجدال والخصومة عن صدور عمل صحيح عن الإنسان فلا يترتب عليه الثواب لعدم الصحة. (ش) ٢ - قوله «علم ما كفوه» مفاسد علم الكلام خمسة في هذا الحديث: الأول: أنه يورث الشك، الثاني: يحبط العمل، الثالث: يردي صاحبه، الرابع: الحرمان من المغفرة، الخامس: تضييع العمر فيما لا يعني وترك ما يعني، ولا ريب أن في كل علم مفاسد إذا لم يؤت من بابه ولم يصرفه في وجهه كالاجتهاد إذا بنى على القياس وترك السنة والإخباريون يتمسكون بما ورد في ذم الاجتهاد ويقدحون في علماء الأمة وأمناء الملة قدس أسرارهم باجتهادهم وكذلك محدثوا العامة على ما سبق طعنوا في علم الكلام وعلمائه.
والكلام المبني على الخصومة مذموم لأنه جدال بالتي ليست بأحسن، وأما المفاسد الخمس فالشك يحصل لمن لا يقدر على تميز الحق من الباطل وأما القادر فلا يحصل له الشك، وحبط العمل نتيجة الشك إذ العبادة مع الشك في الإيمان غير صحيحة لا يترتب عليها ثواب لا أنه يترتب الثواب ويحبطه الكلام فإن الحبط بهذا المعنى غير صحيح في مذهبنا.
أما هلاك صاحب الكلام فإنما هو بأن يتعصب لإثبات الباطل لأن حب الغلب على الخصم والعار من المغلوبية ربما يدعوان إلى الالتزام بما يعلم بطلانه وهذا شر من الشك وحبط العمل وشر من ذلك أن يكون تعصبه والتزامه بالباطل مما لا يغفر أي مما لا يحتمل بمقتضى العادات أن يندم صاحبه ويعترف بتقصيره حتى يغفر له كرؤساء الفرق المبتدعة بعد إضلال جماعة كثيرة، وأما تضييع العمر فيما لا يعني فكثير مثل التكلم في بعض تفاصيل المبدء والمعاد وقصص الأنبياء وفي فضائل رجال بأعيانهم والاختلاف فيهم مثل أن زبير بن العوام أفضل أم عبد الرحمن بن عوف وأبو موسى الأشعري كان عاقلا أم مغفلا وتفصيل حياة صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه من طعامه ومسكنه ومزاجه وبلده وأمثال ذلك وقد نهينا عن تسميته فكيف تلك الأحوال وأحوال الرجعة وكيفياتها وتفاصيلها وغير ذلك وإذا خلا علم الكلام من هذه المفاسد فهو من أشرف العلوم إذ به النجاة في الآخرة لما فيه من الاستدلال على أصول العقائد وأحكام الأيمان، وكذلك كل علم ورد فيه ذم ومدح وكل صنعة كذلك مثل الحياكة والصرف وغيرهما مما يحتاج إليه الناس وعلم جوازه بالتواتر بل الضرورة ولا يمكن حمل الذم فيه على المنع الأمن بعض الوجوه والاعتبارات وإذا خلا عنها لم يكن مرجوحا، ومن مفاسد علم الحديث اقتصار المحدث على الرواية وترك الدراية كما مر ومن مفاسد الاجتهاد الاعتماد على الرأي والقياس، ومن مفاسد الفلسفة التقليد وترك الدليل والإعراض عن السنة، ومن مفاسد علم النجوم الاعتماد على الأحكام ودعوى علم الغيب، ومن مفاسد التصوف البدع والمحالات، ومن مفاسد الأنساب وأشعار العرب الخوض في الفضول، ومن مفاسد علم التفسير الاعتماد على رأي من ليس قوله حجة. ولا يحرم شيء من تلك العلوم لوجود هذه المفاسد فيها بل يجوز الخوض فيها والاجتناب عن المفاسد. (ش)
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست