شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٥١
* الشرح:
(عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا زياد إياك والخصومات) المخاصمة المجادلة لا لإثبات الحق، بل للترفع وإظهار الفضل والكمال والتسلط على الأقران في المجالس بكثرة القيل والقال وأما الجدال لإثبات الحق بطريق صحيح فليس بمنهي عنه (1) كيف وقد قال الله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).
(فإنها تورث الشك) في الحق وزيغ القلب عنه بإلقاء الشبهات عليه فإن شرك الشبهة أما منسوج (2) من أوتار الباطل فقط أو من الحق والباطل جميعا وعلى التقديرين قلما يتخلص منه النفس المأنوسة بمفتريات الأوهام.
(وتحبط العمل) حبط عمله حبطا بالتسكين وحبوطا بطل ثوابه، وحبط الله أبطله واسناد الإحباط إلى الخصومات إسناد مجازي باعتبار أنها سبب له وفيه دلالة على إحباط العمل الصالح بالشك ونحوه هذا إذا لم يرجع عنه كما يدل عليه ما روي عن الصادق (عليه السلام) قال: من شك أو ظن

١ - قوله «ليس بمنهي عنه» حكى عن مالك وأحمد بن حنبل بل الشافعي وجميع أصحاب الحديث النهي عن علم الكلام وقالوا إنه بدعة فكان هذا العلم في الصدر الأول عند المتشرعين بمنزلة الفلسفة في العصر الأخير وقد أفرط في ذلك كثير ممن تأخر كابن حزم وابن تيمية والمتعصبين لمذهب السلف من بعده حتى أنهم ينكرون التلفظ بمصطلحات علم الكلام كالجسم والجوهر والعرض والتحيز والمكان وأمثال ذلك والحق أن تقييد فكر الإنسان بغل الجمود خلاف فطرة الله تعالى التي خلق الناس عليها وكما لم يتوقف النحو والعروض والأدب بل اصطلاح المحدثين والقراء على ما كان عليه السلف بل زاد وتفنن وتفرق كذلك اصطلاح الكلام والأصول.
قالوا لم يبحث السلف عن الصفات وأنه عين ذاته أو غيره ولم يتكلموا في أنه تعالى جسم أو جوهر أو متحيز أو علة تامة أو ناقصة وليس في كلامهم هيولى ولا صورة ولا نفس وأمثال ذلك، نقول كما أنهم لم يبحثوا عن إسناد الحديث أنه مسلسل أو مرفوع أو مقطوع أو مرسل ولم يتكلموا في موانع صرف الاسم أنها تسع ولم يتكلموا في تواتر القراءات والاكتفاء بالسبع أو العشر بل لم نر لفظ التجويد في كلام السلف ولا أقسام الوقف التام والكافي فإذا جازت زيادة الاصطلاح في ذاك جاز في الكلام والأصول إلا أن يقال إن ذاك سهل نفهمه والكلام أو الأصول دقيق لا نفهمه فالإيراد على قصور الفهم لا على المعنى ولم نر في أمة ولا طائفة من يجوز أن يجتمع سفهاؤهم ويمنعوا عقلائهم عن التدبر في أمور لا يفهمونها ولم يوجب أحد أن يكون الكلام والفكر منحصرا فيما يفهمه جميع الناس من العامة والخاصة لأن في ذلك إبطال لجميع العلوم ونظير ذلك الإخباريون منا فإنهم يستبشعون اصطلاحات الأصول كالاستصحاب وأصل البراءة ولا يستبشعون المناولة والوجادة والمدابجة في اصطلاح المحدثين مع أنها لم تكن معهودة بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام). (ش) 2 - قوله «منسوج» شبه الشبهة بشرك الصياد والباطل الذي تتألف منه بالأرسان التي تنسج منها الشرك. (ش)
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست