شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٤٨
المخلوقات على صفاته واحدة واحدة مثلا بإحكامها وإتقانها على كون فاعلها عالما وبتخصيص بعضها بأمر ليس في الآخر على كونه مريدا. ونحو ذلك الحكماء الطبيعيون (1) يستدلون بوجود الحركة على محرك، وبامتناع اتصال الحركات لا إلى أول على وجود محرك أول غير متحرك، ثم يستدلون من ذلك على وجود مبدأ أول.
وأما الإلهيون فلهم في الاستدلال طريق آخر وهو أنهم ينظرون أولا في مطلق الوجود أهو واجب أم ممكن يستدلون من ذلك على إثبات موجود واجب ثم بالنظر في لوازم الوجوب من الوحدة الحقيقية على نفي الكثرة بوجه ما المستلزم لعدم الجسمية والعرضية والجهة وغيرها ثم يستدلون بصفاته على كيفية صدور أفعاله عنه واحدا بعد آخر وقالوا: هذا الطريق أعلى واجل من الطريق الأول لأن الاستدلال بالعلة على المعلول أولى البراهين بإعطاء اليقين لكون العلم بالعلة المعينة مستلزما للعلم بالمعلول المعين من غير عكس (2).
وقال بعض العلماء هذه طريقة الصديقين الذين يستدلون بوجوده على وجود كل شيء إذ هو منه ولا يستدلون عليه بوجود شيء لأنه أظهر وجودا من كل شيء فإن خفي مع ظهوره فلشدة ظهوره وظهوره سبب بطونه ونوره هو حجاب نوره والواجب على أهل كل طريق ترك التعرض لمعرفة ذاته وصفاته ومقدار عظمته كما أشار إليه على وجه العموم بقوله.
(ولا تتكلموا في الله) أي في ذاته وصفاته (فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا) (3)

1 - قوله «نحو ذلك الحكماء الطبيعيون» أي الماهرون في العلوم الطبيعية لا منكروا الألوهية أو الشاكون في ما وراء الطبيعة والإلهيون هم الحكماء الإلهيون من سائر الأمم ونقل قولهم وأدلتهم ليس للاعتماد عليهم تعبدا بل النظر والتأمل، والاطمينان النفس في الجملة بأنهم لم يكن إيمانهم بالله واليوم الآخر تقليدا ولا لمتابعة الأنبياء تعبدا فإن أفلاطون وأرسطو وأمثالهما كانوا قبل عيسى (عليه السلام) بمئات من السنين ولم يكونوا من اليهود ولا من أمة موسى (عليه السلام) بل لم يعتمدوا إلا على عقولهم فإذا رأيناهم مؤمنين بالله واليوم الآخر ولا نتهمهم بتقية وتقليد ورأينا دليلهم متقنا أخذناه كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها». (ش) 2 - قوله «المعلول المعين من غير عكس» فإنا إذ رأينا بيتا بعينه علمنا أن له بانيا وأما أن بانيه من هو فلا نعلم بعينه بخلاف ما إذا عرفنا الباني بعينه من حيث أنه بان بالفعل فإنه يستلزم العلم بالبيت المعين فإن قيل قد نعرف الباني بعينه ولا نعرف البيت الذي بناه بعينه قلنا المراد من العلم بالعلة العلم بها من حيث هي علة بالفعل كما قلنا لا العلم بشخص من يمكن أن يكون علة بالقوة. (ش) 3 - قوله «لا يزداد صاحبه إلا تحيرا» لأن البشر يعتقد في بدء أمره أن الموجود جسم متحيز في مكان ومتصف بقدر وكيفية فإذا أراد معرفة ذاته تعالى فكل ما يتبادر إلى ذهنه هو من صفات الأجسام وهذا يؤدي إلى التشبيه بل التجسيم، فإما أن يعترف به وبجسمه وهو التشبيه المنهي عنه أو ينكر وجوده نعوذ بالله وهو حد التعطيل المنهي عنه أيضا، وأما أن يتوقف ويقول ما أدري ما أقول فيميل تارة إلى هذا وأخرى إلى ذاك وهو التحير فإذا اعتقد أنه جسم عظيم على العرش لا يدري كيف يعتقد بأنه مع كل شيء كما قال «نحن أقرب إليه من حبل الوريد» «وهو معكم أينما كنتم» فالعلاج أن يعترف بالعجز عن معرفة ذاته تعالى والتكلم فيه والاكتفاء بما ورد في الآيات والروايات من صفاته تعالى ولا يتجاوز عنه فإن قيل هذا شأن الحنابلة والمجسمة حيث اكتفوا بظواهر النصوص واثبتوا له اليد والوجه والعلو على العرش بمعناه الجسماني والرؤية ونزوله كل ليلة جمعة إلى غير ذلك، قلنا هذا ليس تسليما بل هو التشبيه بعينه ولا فرق بين من يبقى ألفاظ التجسيم على ظاهرها ويأول ما يدل على أنه تعالى في كل مكان ومع كل أحد، وبين من يبقى هذه على ظاهرها ويأول ألفاظ التجسيم، فكلاهما قد خرج عن الظاهر في الجملة والعامي المعتمد على الجسم أبقى التجسم وأول التجرد والخاصي بالعكس ولا حاصل لقول الأولين إنا لا نقول بالجسم إذ لا فرق بين أن يقال هو جسم أو هو صاحب طول وعرض وعمق أو جالس في المكان أو متحيز وأمثال ذلك من أشباه الترادف فمن قال: إنه ليس بجسم.
وقال: مع ذلك إنه يرى بالبصر فكأنه قال: إنه جسم لا جسم وهم يتأبون عن الاكتفاء برؤية القلب قال النظامي عن لسانهم:
هست وليكن نه مقرر بجاى * هر كه چنين نيست نباشد خداى ديد محمد نه بچشم دگر * بلكه بدان چشم كه بودش بسر بخلاف ما قاله الطوسي:
به بينندگان آفريننده را * نه بيني مرنجان دو بيننده را وليس من يحمل اليد والوجه والعلو على المعنى الجسماني ممن يسلم بل الذي يعترف بما أراد الله تعالى منها. (ش)
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست