المخلوقات على صفاته واحدة واحدة مثلا بإحكامها وإتقانها على كون فاعلها عالما وبتخصيص بعضها بأمر ليس في الآخر على كونه مريدا. ونحو ذلك الحكماء الطبيعيون (1) يستدلون بوجود الحركة على محرك، وبامتناع اتصال الحركات لا إلى أول على وجود محرك أول غير متحرك، ثم يستدلون من ذلك على وجود مبدأ أول.
وأما الإلهيون فلهم في الاستدلال طريق آخر وهو أنهم ينظرون أولا في مطلق الوجود أهو واجب أم ممكن يستدلون من ذلك على إثبات موجود واجب ثم بالنظر في لوازم الوجوب من الوحدة الحقيقية على نفي الكثرة بوجه ما المستلزم لعدم الجسمية والعرضية والجهة وغيرها ثم يستدلون بصفاته على كيفية صدور أفعاله عنه واحدا بعد آخر وقالوا: هذا الطريق أعلى واجل من الطريق الأول لأن الاستدلال بالعلة على المعلول أولى البراهين بإعطاء اليقين لكون العلم بالعلة المعينة مستلزما للعلم بالمعلول المعين من غير عكس (2).
وقال بعض العلماء هذه طريقة الصديقين الذين يستدلون بوجوده على وجود كل شيء إذ هو منه ولا يستدلون عليه بوجود شيء لأنه أظهر وجودا من كل شيء فإن خفي مع ظهوره فلشدة ظهوره وظهوره سبب بطونه ونوره هو حجاب نوره والواجب على أهل كل طريق ترك التعرض لمعرفة ذاته وصفاته ومقدار عظمته كما أشار إليه على وجه العموم بقوله.
(ولا تتكلموا في الله) أي في ذاته وصفاته (فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا) (3)