أن ينقطع وجوده ويلحقه العدم وكذلك هو بلا نهاية ينتهي إليها وجوده في لحاظ أوليته وإلا لكان مسبوقا بالعدم، وهو على واجب الوجود لذاته محال، وينبغي أن يعلم أن الغاية كما صرح به علماء العربية وغيرهم لها معان الأول النهاية، والثاني المسافة الملحوظة معها الامتداد الكمي، والثالث الباعث على الفعل وهو الذي يسمونه بالعلة الغائية وهو قد يكون في الوجود الخارجي متأخرا عنه مثل التأديب في قولنا ضربت تأديبا، وقد يكون متقدما عليه مثل الجبن في قولنا قعدت عن الحرب جبنا، وقد تكرر ذكر الغاية في هذا الباب والعاقل اللبيب يعرف من هذه المعاني ما يناسب كل موضع.
(انقطعت عنه الغاية) أي انقطعت عنه المسافة الحسية والعقلية أو انقطعت عن وجوده النهاية وزالت قبل الوصول إليه، وهذا تأكيد للسابق أو انقطعت عنده العلة الغائية ولم تتجاوزه إلى غاية اخرى فوقه لأنه غاية فوق الغايات كما أشار إليه بقوله (وهو غاية كل غاية) لأنه تعالى آخر ما يقصده السالكون في سكناتهم وغاية ما يطلبه العارفون في حركاتهم في الوصول إليه، بل هو غاية فوق غاياتهم ومآربهم، ومقصد فوق مراداتهم ومطالبهم كما دل عليه قوله تعالى (وإن إلى ربك المنتهى) وقوله تعالى (وإلي الله مرجعكم جميعا) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «وأنت المنتهى فلا محيص عنك وأنت الموعد لا منجا منك إلا إليك» (1) والمنتهى هو الغاية وبالجملة هو الله تعالى غاية لكل موجود ونهاية لكل غاية، ومقصود ومرجع لكل مضطر مطرود، ولا معدل عنه ولا مقصد فوقه ولا ملجأ إلا هو ولا منجا منه إلا إليه.
(فقال رأس الجالوت: امضوا بنا فهو أعلم بما يقول فيه) أي في وصف ربه (2) ولعل اليهودي لم يفهم حقيقة كلام معدن العلوم النبوية ومخزن الأسرار الإلهية فلذلك لم ينظر إليه بعين الطاعة والانقياد أو فهمه ولكن أعرض عنه للرئاسة والعناد والله ولي التوفيق وإليه هداية الطريق.
* الأصل:
5 - وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الموصلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين متى كان ربك؟