بحلوله في عيسى (عليه السلام) وعلى بعض المتصوفة القائلين بحلوله في العارفين.
(ولا كان على شيء) على سبيل الاستقرار عليه لأنه لو كان على شيء لزم الافتقار والنقص واختصاصه بجهة معينة وخلو بعض الجهات عنه وهو محال وفيه رد على من تشبث بالظواهر مثل قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) وقوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
(ولا ابتدع لمكانه مكانا) الظاهر أن المكان الأول مصدر والمراد أنه ما أوجد لكونه مكانا إذ لو كان كونه مكانيا لما كان بلا مكان أصلا فلما كان بلا مكان قبل إيجاد المكان علم أنه ليس مكانيا أو المراد أنه ما أوجد لعلو كونه ومرتبة جلاله مكانا يحصره وحدا يحده وإنما قلنا الظاهر ذلك لأنه يمكن أن يكون المكان محمولا على الظاهر ويكون الكلام لدفع توهم من يتوهم أن له مكانا باعتبار أنه موجودا وكل موجود له مكان وتوجيه الدفع أن مكانه بزعمك موجود وليس له مكان فإذا كان المكان المخلوق ليس له مكان فالخالق للمكان أولى أن لا يكون له مكان.
(ولا قوي بعد ما كون الأشياء) ليس الغرض من تكوينها تحصيل كمال قوته والاستعانة بها في سلطانه على ند مشاور أو شريك مكابر أو ضد منافر بل كونها لإظهار علمه وحكمته وانفاذ قدرته وقوته وإمضاء تقديره وتدبيره.
(ولا كان ضعيفا بل أن يكون شيئا) فلم يكونه لجبر ضعفه وتشديد قدرته ورفع العجز عنه كما يفعله المشاق منا لتحصيل القوة والقدرة على تحصيل الخط وصرف العجز عن نفسه. لأنه إنما يحتاج إلى ذلك العاجز الناقص في القدرة والقوة وأما الله تعالى شأنه فقوته التي هي عبارة عن كمال القدرة وتمامها ويقابلها الضعف تامة كاملة قاهرة أزلا وأبدا لا يعلم كمالها وتمامها وحقيقتها إلا هو وهو القوي المطلق الذي كل شيء مقهور تحت حكمه وقدرته إن شاء أوجده وأبقاه وإن شاء أعدمه وأفناه من غير أن يتغير بذلك قوته في الشدة والضعف.
(ولا كان مستوحشا) أي مغتما بتفرده والاستيحاش ضد الاستيناس (قبل أن يبتدع شيئا) فلم يبتدع الخلق ليستأنس بهم ويرفع عن نفسه ألم الوحشة لأن الوحشة من توابع المزاج ولواحق الحيوان الذي يأخذ من جنسه أو من غير جنسه أنيسا يستأنس بصحبته ويغتم بفقده والله سبحانه منزه عن ذلك.
(ولا يشبه شيئا مذكورا) في الأشياء ومعدودا منها وصادقا عليه اسم الشيء لتنزهه تعالى عن المشابهة بخلقه في ذاته وصفاته إذ الوجوب الذاتي يتأبى عن الاتصاف بصفات الإمكان ولواحقه.
(ولا كان خلوا من الملك قبل إنشائه ولا يكون منه خلوا بعد ذهابه) وذلك لأن وجود المنشآت