شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٤٨
ويحبس. ويؤيد الأخيرين قوله فيما بعد «فكانوا محصورين بالأمر والنهي» (من خلق من خلقه خلقة محتملة للأمر والنهي) وهو من كان من أهل الصحة والسلامة كاملا فيه آلة الكليف (بالأمر والنهي) في الأحكام والمعارف والظرف متعلق بيحض (لئلا يكونوا سدى) السدى بضم السين وقد يفتح وكلاهما للواحد والجمع بمعنى المهمل يقال إبل سدى أي مهملة، وأسديتها أي أهملتها وذلك إذا أرسلتها ترعى ليلا ونهارا بلا راع، فقوله (مهملين) بدل أو بيان أو صفة للتوضيح والتفسير، وفي إهمالهم والتخلية بينهم وبين نفسوهم غير ما ذكر من المفاسد ما لا يخفى (وليعظموه) بتحميده وتمجيده وتوصيفه بما يليق به من صفات الكمال ونعوت الجلال (ويوحدوه) بنفي الشريك والتجزية ذهنا وخارجا (ويقروا له بالربوبية) أي بأنه رب كل شئ ومالكه ومدبره ولا رب سواه. والرب من أسمائه تعالى ولا يطلق على غيره إلا بالإضافة (وليعلموا أنه خالقهم) منه بدء وجودهم وبقاؤهم (ورازقهم) في كل ما ينتفعون به ويحتاجون إليه في التعيش والبقاء، والرزق في اللغة ما ينتفع به وعند الأشاعرة كل ما ينتفع به حي، غذاء كان أو غيره، مباحا كان أو حراما، وخصه بعضهم بالأغذية والأشربة وعند المعتزلة هو كل ما صح انتفاع الحيوان به بالتغذي وغيره وليس لأحد المنع منه فليس الحرام رزقا عندهم.
(إذ شواهد ربوبيته دالة ظاهرة وحججه نيرة واضحة وأعلامه لائحة) العطف فيهما للتفسير ويحتمل أن يراد بالشواهد طبائع الممكنات القابلة للتربية الموصلة لها إلى كمالاتها، بالحجج نفس تلك الكمالات، وبالأعلام مجموع ذلك من حيث المجموع أو وضع كل ممكن في حده ومرتبته التي يليق به.
(تدعوهم إلى توحيد الله عز وجل) وعلمه قدرته وتدبيره وساير صفاته وكمالاته وتبعثهم على التصديق بذلك، والجملة في محل النصب على أنها حال من فاعل الأخبار المذكورة وإنما وضع الظاهر موضع الضمير للتبرك بذكر الله والإشارة إجمالا إلى دلالة الأمور المذكورة على جميع كمالاته أيضا كما أشرنا إليه. (وتشهد) أي تلك الشواهد والحجج والأعلام (على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهية لما فيها من آثار صنعه وعجايب تدبيره) فان من نظر بقلب سليم وعقل صحيح إلى أحوال هذا العالم وكيفية نضدها ومنافعها وأحوال الأفلاك وكيفية حركتها حول الأرض من شرق إلى غرب ومن غرب إلى شرق وأحوال الشمس في طلوعها وغروبها وانتقالها من برج إلى برج لإقامة دور السنة والفصول ومنافعها التي من جملتها نشو النبات ونموها وإدراك الثمار والغلات وضبط الأوقات للديون والمعاملات وأحوال القمر في إنارته ونقصانه وزيادته وحركته في منازله ومنافع هذه الأمور وأحواله المتحيرة في اختلاف حركاتها كما وكيفا وجهة وانتقالاتها واقتراناتها واستقامتها ووقوفها، ورجوعها وما يترتب على هذه الأمور من المنافع وأحوال السفليات مثل الأرض والماء
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست