شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٥٠
السبب لا يخصص عموم الحكم، وعلى هذا دلت الآية على أنه يجب على هذه الأمة أيضا أن يقولوا الحق ويحرم عليهم أن يقولوا في صفاته وأفعاله وأحكامه وشرائعه ما ليس بحق، وأن يثبوا له ما هو منزه عنه من الولد والصاحبة والتجسم والتحديد والتشبيه وغير ذلك.
(وقال بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه) قال القاضي وصاحب الكشاف: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه وفي بديهة السماع قبل أن يفقهوا ويتدبروا آياته ويعلموا كنه أمره ويفقهوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم على مخالفة دينهم ومفارقة دين آبائهم كالناشي على التقليد إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه وإن كانت أضوء من الشمس في ظهور الصحة وبيان الاستقامة، أنكرها أول وهلة واشمئز منها قبل أن يحسن إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه وفساد ما عداه من المذاهب، ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على الندب إلى معرفة الحق والقول به وذم الجهل والمنكرين لدين الحق (فكانوا) أي أهل الصحة والسلامة (محصورين بالأمر والنهي) في المعارف والأحكام أي محبوسين بهما لا يجوز لهم التفارق عنهما أو أنهما يتوجهان إليهم لا غيرهم من أهل الضرر والزمانة (مأمورين بقول الحق) فيهما، والإضافة بيانية أو من إضافة المصدر إلى المفعول (غير مرخص لهم) بفتح الخاء والظرف قائم مقام الفاعل أو بكسرها والفاعل هو الله تعالى (في المقام) بالفتح والضم مصدر (على الجهل) بدين الحق وأحكامه (أمرهم بالسؤال والتفقه في الدين) بمنزلة التعلى لما مر فلذلك ترك العاطف (فقال فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) قال القاضي وصاحب الكشاف: فهلا نفر من كل جماعة كثيرة كقبيلة وأهل بلدة جماعة قليلة ليتكلفوا الفقاهة في الدين، ويتجشموا المشاق في أخذها وتحصيلها، و ليجعلوا غرضهم ومرمى همتهم في التفقه إرشاد القوم وإنذارهم والنصيحة لهم; وتخصيصه بالذكر لأنه أهم، وفيه دليل على أنه ينبغي أن يكون غرض المتعلم فيه أن يستقيم في نفسه ويقيم غيره، لا الترفع على الناس والتبسط في البلاد والتشبه بالظلمة في ملابسهم ومراكبهم كما هو شأن بعض المتفقهين.
وأورد عليهما بعض الأفاضل وتبعه بعض آخر بأنهما جعلا الانذار والنصيحة آخر القصد ومرمى الهمة في التفقه ولم يتفطنا بأنه مما لا يساعده اللفظ لوجود العاطف في التعليل فيكون «لينذروا» عطفا على «ليتفقهوا» بإعادة لام العلة ولو لم يكن الواو كان لما ذكره وجه.
أقول: نسبة عدم التفطن بالعاطف إلى مثلهما سيما إلى صاحب الكشاف المبرز في علم العربية والمقنن لقوانينها في غاية البعد وإنما نشأ ذلك من عدم التفطن بمقصودهما لأن مقصودهما أن
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست