شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٥٣
التصديق بوحدانيته وصفاته اللايقة به ويندرج فيه التصديق بملائكته وكتبه ورسله وأوصياء رسله، وبما أخبر به الرسل من أحوال الآخرة مثل الحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك من أحوال القيامة (وشرايعه وأحكامه وأمره ونهيه وزواجره وآدابه) بيان لما استعبد الله به خلقه (إذ كانت الحجة ثابتة) على صحيح الخلقة كامل الآلة وهذا مع ما عطف عليه دليل على أن العلم بالدين ومعرفة ما استعبد الله به خلقه أحق بالاقتباس وأولى بالالتماس (والتكليف لازما) لما عرفت من الدلايل (والعمر يسيرا) مع ما فيه من الضروريات التي لا يمكن البقاء بدونه كالنوم وتحصيل الغذاء واللباس ونحوها فلا يسع العمر إلا للأهم والأحق وهو الأمور المذكورة (والتسويف غير مقبول) لأن العمر لا يفي بذلك ولأن التكليف ثابت في وقت التسويف أيضا (والشرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين وبصيرة) لقوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) وقوله (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقوله (فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) وقوله (فلولا نفر - الآية -) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اشتراط العلم والبصيرة في العمل.
(ليكون المؤدي لها محمودا عند ربه) من ألطافه الخفية وعناياته الجلية أنه تعالى مع كمال استغنائه عن الخلق يقابل حمدهم بالحمد وشكرهم بالشكر وذكرهم بالذكر كما قال: (اذكروني أذكركم) وفي الحديث «قال الله تعالى من ذكرني في ملاء من الناس ذكرته في ملاء خير من ملائه (1)» (مستوجبا لثوابه وعظيم جزائه) لأن الثواب والجزاء إنما يترتب على فعل المأمور به وترك المنهي عنه ولا يتصور ذلك إلا بالعلم والبصيرة بهما (لأن الذي يؤدي بغير علم وبصيرة لا يدري ما يؤدي ولا يدري إلى من يؤدي) لظهور أن من لم يعرف ربه ولم يعلم أوامره نواهيه لا يدري ما يفعل، ولا لمن يفعل، ولا من يتقرب إليه فلو فعل شيئا لم يكن ذلك عبادة لأن العلم أصل العبادة والتقرب روحه فإذا لم يتحققا لم يتحقق العبادة (وإذا كان جاهلا لم يكن على ثقة مما أدى ولا مصدقا) بأن ما أداه هو المطلوب منه ويترتب عليه الثواب والجزاء (لأن المصدق لا يكون مصدقا حتى يكون عارفا بما صدق به من غير شك ولا شبهة) إن لم يكن للطالب بعد الشعور بالمطلوب رجحان بأحد طرفيه كان له شك فلا يكون عارفا ومصدقا به وإن كان له رجحان فإن لم يكن ذلك الرجحان مستندا إلى دليل كان له تقليد وإن كان مستندا إلى دليل فإن كان ذلك الدليل ظنيا كان له ظن وهذان قد اشتركا في أن تصديقهما قابل للشبهة فليس تصديقهما في الحقيقة تصديقا، لزواله بسهولة عند توارد الشبهات، فلا يكون لهما معرفة وتصديق بحسب الحقيقة، وإن كان ذلك الدليل برهانا

1 - تقدم في ص 25 نحوه.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست