مجموع التفقه في الدين وتعلم الأحكام وأصول القواعد على اليقين وإنذار القوم وإرشادهم إليهما وإن كان غاية السعي والنفر لكن الظاهر أن الانذار غاية النفر بواسطة التفقه إذ لا يمكن حصوله بدونه فهو بحسب الحقيقة والمعنى غاية التفقه وإن كان في العبارة بظاهر العطف غاية النفر فهما جعلا الانذار غاية التفقه رعاية لجانب المعنى وتنبيها على ما ذكرنا.
(وقال فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) أمرهم بالسؤال على تقدير عدم العلم ولم يجوز لهم البقاء على الجهالة. والمقدم هنا جزاء للشرط عند من جوز تقديمه عليه، ودليل على جزاء محذوف بعده عند طائفة، والشرط حال لا يحتاج إلى جزاء عند آخرين (فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة المقام على الجهل لما أمرهم بالسؤال) فيه دلالة على أن الأمر للوجوب إذ استحباب السؤال لا ينافي جواز المقام على الجهل (ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب) لأن البعثة على هذا التقدير عبث; إذ الغرض منها تكميل الخلائق وتهذيبهم فإذا لم يجب عليهم قبول ذلك وجاز لهم المقام على الجهل بطل الغرض، وإذا بطل الغرض لزم العبث وإذا لزم العبث لزم عدم الإحتياج إلى ما ذكر، ولكن عدم الإحتياج باطل إما لما مر من نفي التدبير والرجوع إلى قول أهل الدهر، وإما لما أشار إليه بقوله (فكانوا) أي أهل السلامة (يكونون عند ذلك) أي عدم بعثة الرسل بالكتب والآداب (بمنزلة البهائم ومنزلة أهل الضرر والزمانة) عدم الفرق بين الحق والباطل وعدم التمييز بين المعارف وغيرها، وقيل: إلا أن بين الفريقين فرقا لأن أهل الصحة والسلامة لهم عذاب أليم في القيامة لأنهم أبطلوا استعدادهم وأفسدوا قوة مرآة بصيرتهم دون الطائفة الأخيرة لأنهم مختوم على قلوبهم في الأزل. وفيه نظر لأن المفروض عدم وقوع التكليف بشئ أصلا فكيف يكونون معذبين في القيامة والعذاب إنما يكون بترك التكاليف (ولو كانوا كذلك) أي بمنزلة البهائم وأهل الضرر والزمانة (لما بقوا طرفة عين) وهلكوا دفعة واحدة من غير مهلة لأن حكمة الله تعالى تقتضي عدم بقاء الأرض ومن عليها بدون أهل شريعة ودين وأصحاب معرفة ويقين.
(فلما لم يجز بقاؤهم إلا بالآداب والتعليم وجب أنه لا بد لكل صحيح الخلقة كامل الآلة من مؤدب ودليل مشير) ليحصل التأدب بالآداب بإعانته وإرفاده والاهتداء إلى الحق بدلالته وإرشاده (وآمر وناه) ليسلك سبيل الخيرات بزواهر أمره ويسد سبيل المنهيات بزواجر نهيه (وأدب وتعليم) ليكتسب الذهن من نورهما جلاء ويقترف العقل من ضوئهما صفاء (وسؤال ومسئلة) ليرفع عن وجه القلب نقاب الجهالة ويزيل عن ساحة العقل حجاب الضلالة، لأن شفاء العي هو السؤال، كل ذلك ليستكمل القوة النظرية والعملية على مراتبهما وتتخلى النفس عن الرذائل وتتحلى بالفضائل، وتخرج إلى حد الكمال من حد النقصان; وتشاهد الصور الإدراكية مشاهدة العيان، وتدرك جلال