شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٤٣
بالأمر والنهي، مأمورين بقول الحق، غير مرخص لهم في المقام على الجهل، أمرهم بالسؤال والتفقه في الدين فقال (لولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) وقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) فلو كان يسع أهل الصحة والسلامة المقام على الجهل، لما أمرهم بالسؤال ولم يكن يحتاج إلى بعثة الرسل بالكتب والآداب وكادوا يكونون عند ذلك بمنزلة البهائم ومنزلة أهل الضرر والزمانة. ولو كانوا كذلك لما بقوا طرفة عين، فلما لم يجز بقاؤهم إلا بالأدب والتعليم وجب أنه لا بد لكل صحيح الخلقة كامل الآلة، من مؤدب ودليل ومشير وآمر وناه وأدب وتعليم وسؤال ومسألة».
* الشرح:
ولما فرغ عن التحميد والصلاة أراد أن يشير إلى سبب تأليف هذا الكتاب وسببه بطريق الاجمال أن رجلا من المؤمنين شكى إليه الخلائق بسوء عقايدهم وأفعالهم من اتفاقهم على الجهل بأمر الدين وتعظيمهم لأهله لعله ينزعه عن شكايته ويزيله عما يشكوه وسأله هل يسعهم المقام على الجهل والتقليد بالآباء والأسلاف أم لا، فأجاب بأن الناس على صنفين: صنف أهل الضرر والزمانة، وصنف أهل الصحة والسلامة، وهذا الصنف لا يجوز لهم المقام على الجهل بل وجب عليهم التعلم والتعليم وبينه في كلام طويل، ثم لما علم وجوب التعلم على هذا الصنف شكى إليه اختلاف الروايات وأنه ليس بحضرته من يسأله ويعتمد بقوله، وسأله أن يصنف له كتابا جامعا للروايات الواردة في أصول الدين وفروعه فأجاب سؤاله، وصنف هذا الكتاب ليكون مرجعا له ولسائر المؤمنين إلى يوم الدين فأشار إلى ما ذكرناه إجمالا بقوله:
(اما بعد فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة) أي من تراضيهم وتوافق آرائهم عليها ومحبتهم لأهلها واجتماع كلمتهم فيها واستحسانهم إياها; لأن كل حزب بما لديهم فرحون. والاصطلاح من الصلي وهو اسم بمعنى المصالحة والتصالح خلاف المخاصمة والتخاصم (وتوازرهم) أي تعاونهم من الأزر وهو القوة يقال: آزرت فلانا أي عاونته والعامة تقول وازرته (وسعيهم في عمارة طرقها) بتزيينها وتحسينها وترويج آثارها من اكتساب الخطيئات واقتراف السيئات ومودة الأنذال ومعاشرة الأرذال لأن كل ذلك سبب لشهرتها واتضاح أمرها وميل أهل الطبع إليها. (ومباينتهم العلم وأهله) في لفظ المباينة إشعار بأن الفعل من الطرفين ذلك لأن العلم ضد الجهل فمن اتصف بأحدهما وحسنه لنفسه يجتنب عن الآخر وأهله، فكما أن الجاهل يستنكف عن التحلي بالعلم والاستكمال بصحبة العلماء ومجالستهم كذلك العالم يستنكف عن التدنس بالجهل والاسترذال بصحبة الجهال ومجالستهم مما ينبهك على ذلك وإن لم يكن من هذا الباب
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست