شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣١١
وكون الجهل أشد من فقد المال ظاهر لأن انتفاء اللذات والفضايل الروحانية في الدنيا والآخرة أشد وأصعب من انتفاء اللذات الجسمانية المتعلقة بالحياة الدنيا بل لا نسبة بينهما عند ذوي البصاير الثاقبة (ولا مال أعود من العقل) يقال: هذا الشئ أعود عليك من كذا أي أنفع، والعائدة المنفعة، وكون العقل أعظم أفراد المال وأنفعها ظاهر بالقياس إلى ما ذكرناه على أن المال بدون العقل لا ينفع بل يضر لكثرة مفاسده بخلاف العقل فأنه ينجي صاحبه من ملامة الدنيا وندامة العقبى لوضعه الأشياء في موضعها وقد يقال: العقل أنفع من المال لأن المال كالآلة لطالب الخير والمنافع في وصوله إليهما والعقل دليل موصل له إليهما وبه معرفتهما واختيارهما فتأمل.
* الأصل:
26 - «محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن العاء ابن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال:
وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك، إياك آمر وإياك أنهى وإياك اثيب وإياك اعاقب».
* الشرح:
(محمد بن الحسن) كأنه الصفار الثقة واحتمال ابن الوليد الثقة بعيد (عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران) عبد الله الثقة (عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما خلق الله العقل قال له: أقبل) إلى مقاماتك (1) أو إلى مرضاتي بالامتثال أو إلى مشاهدة جلالي وكبريائي أو إلى تكميل ذاتك بفضائل صفاتك (فأقبل) إلى ما ذكر والمستحفظون لهذا الخطاب، والهون في شواهد الملكوت، حائرون من آثار الجبروت طالبون للتقرب بحضرة الباري، هاربون عما عداه أشد هربا من الأسد الضاري (ثم قال له: أدبر) من عالم النور والمقامات الروحانية أو من مرضاتي بالطاعات إلى مساخطي بالسيئات، أو من تكميل ذاتك إلى تكميل غيرك كما هو شأن أصحاب الخلافة الكاملين في أنفسهم المستكملين لغيرهم (فأدبر) إلى ما ذكر امتثالا لأمره، والعقل شأنه الامتثال دائما وإن يصدر منه خلاف فانما يصدر لغفلته في مراقد الطبيعة البشرية وسجون الأبدان وانسه بالزهرات الدنياوية وصفات النقصان (فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك) أكد مضمون الجملة بالقسم مع أنه أصدق القائلين إما لان المقصود منه صورة القسم ترويجا لمضمونها أو لأن العقل لما شاهد إدباره المؤدي إلى الشقاوة والبعد توهم أنه أخس الخلائق أكده دفعا لتوهمه وبشارة له وفي التفريع دلالة على أن إقباله مع كونه قابلا للادبار سبب لكونه أحسن المخلوقات وسر ذلك يظهر مما ذكرنا

1 - هذا هو الحديث الأول بعينه عن العلاء عن محمد بن مسلم مع تغيير يسير في العبارة لا يخلو منه الروايات باختلاف الرواة (ش).
(٣١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 ... » »»
الفهرست