شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٩٧
وهم قد عجزوا عن ذلك إذ غاية سعيهم هي المعالجة بمقتضى القوانين الطبية والعمل بأحكامها واستعمال الأدوية المناسبة بزعمهم بعد تفتيش الأسباب والخطأ في أمثال ذلك كثير (وبما أحيا لهم الموتى وأبرء الأكمه) وهو الذي ولد أعمى أو الممسوح العينين (والأبرص بأذن الله) البرص بياض براق أملس في الجلد واللحم معا ولموضعه غور لقلة نفوذ الغذاء فيه فيضمر ويغور، وقلة النفوذ إنما يكون لبرد العضو وتكاثفه وانسداد مساماته بالمادة الفجة ومن علاماته بياض الشعر وعدم خروج الدم بغرز الابرة، ومن أسبابه انصباب أخلاط ردية باردة رطبة في العضو غير قابلة لفعل القوة المغيرة الثانية (1) في التشبيه وإن لم يكن تلك القوة ضعيفة في نفسها أو ضعف تلك القوة في نفسها عن التأثير والتشبيه وعلى التقديرين يتولد البلغم الأبيض لأن سوء الهضم يوجب تولده وإذا تمكنت هذه المادة أحالت كل غذاء ورد عليه إلى مزاجها فيصير شبيها بها، وقد يكون البرص سوادا وسببه مادة سوداوية كثيرة تتراكم في الجلد وما يقرب منه، فيزاد بذلك حجم ذلك الموضع ويتكاثف جدا ويتمدد ويتقشر ويسقط منه فلوس كفلوس السمك وقوله «باذن الله» دفعا لتوهم الالوهية فان أمثال الأفعال المذكورة ليست من جنس الأفعال البشرية.
(وأثبت به الحجة) عليهم لأنه ادعى النبوة وأتى ببينة من جنس ما هو المعروف بينهم وهم قد عجزوا عن الاتيان بمثلها وعلموا لأجل مهارتهم في صناعتهم أنها ليست من جنس أفعال البشر، بل هي من جنس أفعال خالق القوى والقدر، قد أظهرها على يده تصديقا لدعواه ولو أتى بينة أخرى غير ما هو المعروف عندهم لأمكن لهم التوهم بأنه ما هو في صناعته لو اجتهد غيره أيضا فيها صار مثله.
(وإن الله بعث محمد (صلى الله عليه وآله) في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام - وأظنه قال:
الشعر -) بدلا من الكلام لا على الجمع والانضمام وإلا يقال والشعر والظن من أبي يعقوب وقد ذكروا في السير والآثار ونقلوا عن ثقات الرواة أنهم كانوا يلبسون كلامهم ما قدروا عليه من حلية الفصاحة والبلاغة، ويزينونه ما يوجب التفوق والبراعة، ويعمدون فيه ما يوجب طباقه بمقتضى الحال وارتقاؤه إلى أعلى مدارج الكمال، ويقصدون فيه أنواع المحسنات اللفظية والمعنوية وأنحاء بدايع

1 - القوة المغيرة اثنتان الأولى ما يفصل المني إلى مزاجات مختلفة لكل عضو عضو لأن مزاج اللحم غير مزاج العظم وهكذا; ولابد من هذه القوة إذ لو فرض بطلانها صار الجنين قطعة من اللحم من غير تقسيم. والمغيرة الثانية وتسمى المصورة أيضا هي التي توجب تخطيط الأعضاء وتشكيلها وهذه القوة أو قوة مثلها موجودة في كل عضو من بدن الإنسان إلى آخر زمان حياته لأن الغذاء إذا تحول إلى الاخلاط وخصوصا الدم كان له مزاج واحد متشابه وإذا وصل إلى العين مثلا تبدل صورته إلى شئ وإذا وصل إلى العظم تحول إلى شئ آخر، والجلد واللحم كذلك وهذا التبدل والتغير متوقف على تأثير القوة الفاعلة واستعداد المواد القابلة حتى يتشبه الغذاء في كل عضو بسائر أجزائه ولولا هذه القوة حدث أمراض منها البرص. وهكذا الكلام يدل على تبحر الشارح في علم الطب (ش).
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست