شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٩٨
النكت العربية وتناسب العبارات والاستعارات ولطائف التخيلات والمجازات ومحاسن الكنايات والتشبيهات إلى غير ذلك من الأمور التي تزيد في الكلام دقة وسحرا وفي القلب ابتهاجا وانبساطا وسرورا ويجعلونه كالعروس العارية عن مقابح العيوب التي ينفتح إليها عيون الظواهر وبصائر القلوب وكانوا يجتمعون ويتناشدون ويتفاخرون ويطلبون المعارضة بالمثل ويعتقدون الفضل لمن جاء بالأحسن منه.
(فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه) أي من مواعظه القرآنية وحكمه الفرقانية (ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم) لأنه أتاهم بالقرآن يشفي رمد بصاير أهل العرفان فان الاكتحال بكحل حقايقه يسقى كبد العطشان بالورود على زلال دقايقه ولا يحول فؤاد الأفكار إلى أقصى معارج عجابيه ولا يجول جواد الأنظار إلى أعلى مدارج غرايبه وهو نير مضىء لا يضل من ضوئه عقول المسافرين وعلم رفيع لا يعمى منه أبصار السائرين، وبحر زاخر لا يصل إلى قعره غوص العارفين، ومنهج واضح لا يزل فيه قدم السالكين، وشجرة نصوص لا يتحرك بهبوب صرصر الشبهات أوراقه وأغصانه. وبنيان مرصوص لا ينهدم بحوادث الخطرات حيطانه وأركانه، وناطق فصيح لا ينقطع بشبه المخالفين دلايله وبرهانه، وناصر معين لا يخذل بهجوم المعاندين أنصاره وأعوانه، ونور ساطع في قلوب أرباب العرفان، وشعاع لامع في صدور أصحاب الايمان، ومعدن الفضل والتوحيد والعدل والايمان، ومنبع العلم والجود والكرم والاحسان، وقد جعله الله سبحانه ريا لعطش العلماء وربيعا لقلوب الفقهاء، معراجا لعقول الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، فمن أراد معارضة أقصر سورة من سوره حلت به الندامة وظهرت فيه الجهالة والسفاهة إذ هو مصادر لأطوار الفصاحة، ومظاهر لأسرار البلاغة التي يعجز عن فهمها عقول الفصحاء ويقصر عن دركها فحول البلغاء، ويتحير فيها أذهان مصاقع الخطباء ولذلك بعدما خيروا بين المعارضة باللسان والمقابلة بالسيف والسنان أعرضوا عن الأول مع طول المدة وكثرة العدة وشدة القوة وغاية العصبية ونهاية الأنانية وكمال الحرص في الغلبة والرسوخ في إظهار المفخرة لعلمهم بأن ذلك خارج عن قدرتهم وفايق على صنعتهم وبعيد عن طريقتهم فعلم أن ذلك وحي أنزله لهداية العباد من ظلم الضلالة ونور أظهره لارشادهم في بيداء الجهالة اللهم اجعله وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة، وسببا لنجاتنا في عرصة القيامة وذريعة نقدم بها على نعيم دار المقامة، وفيه دلالة واضحة على أن إعجاز القرآن لاشتماله على أمور غريبة وألفاظ رشيقة ومعان دقيقة ونكات لطيفة، إلى غير ذلك من الأمور الخارجة عن قدرة البشر.
وسر ذلك أن الله تعالى عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرة فإذا رتب لفظا فلاحاطته
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»
الفهرست