القلب لا من باب الإطراء وظاهر اللسان كما هو شأن أكثر المادحين، أو بكلمة التعجب إشعارا بأن تفوقه (عليه السلام) على غيره بلغ حدا يعجز العقول عن الوصول إليه وعن إدراك كميته وسببه، ويحتمل أن يقرء يا الله بالاف وهو حينئذ للتعجب مثل لا إله إله الله وسبحان الله فان هذه الكلمات الشريفة كثيرا ما تستعمل للتعجب وفيه جواز مدح الرجل مواجهة بالفضايل الموجودة فيه ولكن جوازه مشروط بما إذا لم يكن موجبا لفخر الممدوح وتكبره ولما علم ابن السكيت أن كل عصر لا يخلو من داع إلى الله تعالى إما نبي أو وصي نبي، وعلم أن القرآن حجة على الخلق ودليل على صدق نبينا (صلى الله عليه وآله) سأل عن الحجة على الخلق والدليل على صدق الداعي بعده بقوله (فما الحجة على الخلق اليوم) إذ الدعاة متكثرة والآراء مختلفة والقرآن غير رافع للاختلاف إلا بتفسير صادق مؤيد من عند الله تعالى فلا بد اليوم من حجة يتميز بها الداعي الصادق عن غيره (قال: فقال (عليه السلام): العقل) وهو خبر مبتدء محذوف أي الحجة في هذا اليوم العقل أو مبتدء خبره قوله (يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه) لأن العقل يحكم بامتناع أن يمضي (صلى الله عليه وآله) ويضيع أمته ولا ينصب لهم خليفة، فمن نصبه فهو الصادق وغيره ممن يدعي خلافته فهو الكاذب ولأن العقل العاري عن شوائب الأوهام يعرف بعد نزول الكتاب وتقرير الدين وتكميل السنة أن الصادق على الله (1) هو الذي يعلم أحكام الكتاب والسنة وشرايع الدين ويحكم بها ويحفظ لها وأن الكاذب على الله هو الذي لا يعلمها ولا يحكم بها وبالعقل تمت الحجة على الخلق فإن عملوا بمقتضاه من تصديق الصادق والعمل بما يأمره والانتهاء عما ينهاه وتكذيب الكاذب والاجتناب عن متابعته انتظم حالهم في الدارين وإن عملوا بالعكس ماتت قلوبهم ومرضت صدورهم حتى لا يؤثر فيهم البرهان ويستولي عليهم الشيطان وعلى هذا الوصف يموتون وينزل بهم ما كانوا يوعدون (قال: فقال ابن السكيت هذا والله هو
(٣٠٠)