امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك، فقال لها سليمان عليه السلام: إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه، فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا، فقال لها: ما أصبت شيئا، قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا، فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شئ، ورجع فأخبرها فقالت له: يكون غدا إن شاء الله، فلما كان من اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد، فقال له: هل لك أن أعينك وتعطينا شيئا قال: نعم، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما وحمد الله عز وجل، ثم إنه شق بطن إحديهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه فصره في ثوبه (1) فحمد الله و أصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ففرحت امرأته بذلك، وقالت له: إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه، فلما فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلا أنا لم نر إلا خيرا منك، قال: فأخرج خاتمه فلبسه فحن عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر، واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى ذكره، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم، ثم غيب الله تبارك وتعالى آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، وغاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بختنصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال واصطفى من ولد هارون عزيرا وهم يومئذ صبية صغار فمكثوا في يده وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجة دانيال عليه السلام أسير في يد بختنصر تسعين سنة، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه
(١٨٥)