ولنا أنه لم يصرح بالتعديل فلم يكن تعديلا كما لو قال أعلم منه خيرا وما ذكروه لا يصح لأن الجاهل بحال أهل الفسق لا يعلم منهم الا الخير لأنه يعلم اسلامهم وهو لا يعلم منهم غير ذلك وهم غير عدول، قال أصحابنا ولا يقبل التعديل الا من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة وهو مذهب الشافعي لخبر عمر الذي قدمناه، ولان عادة الناس اظهار الطاعات وإسرار المعاصي فإن لم يكن ذا خبرة باطنة فربما اغتر بحسن ظاهره وهو فاسق في الباطن وهذا يحتمل ان يريد الأصحاب بما ذكروه ان الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له لم تقبل شهادته بالتعديل كما فعل عمر رضي الله عنه ويحتمل أنهم أرادوا أنه لا تجوز للمعدل الشهادة بالعدالة إلا أن تكون له خبرة باطنة، فاما الحكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل ولم يعرف حقيقة الحال فله ان يقبل الشهادة من غير كشف، وان استكشف الحال كما فعل عمر رضي الله عنه فحسن * (مسألة) * (وان عدله اثنان وجرحه اثنان فالجرح أولى) وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك ينظرا أيهما أعدل الذان جرحاه أو الذان عدلاه؟
فيؤخذ بقول أعدلهما ولنا ان الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل فوجب تقديمه لأن التعديل متضمن ترك الريب والجارح مثبت لوجود ذلك والاثبات مقدم على النفي ولان الجارح يقول رأيته يفعل والمعدل مستنده أنه لم يره يفعل ويمكن صدقهما والجمع بين قوليهما بان يراه الجارح يفعل المعصية ولا يراه المعدل فيكون مجروحا