وفي كلام العرب كقوله تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل واسأل القرية) وغير ذلك، وكذلك قوله أعتقه أي من حقي عليه يدل على ذلك قوله فأعتقوه يعني الغرماء وهم لا يملكون الا الدين الذي عليه، وأما قوله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) فيمكن منع دخوله تحت عمومها لما ذكرنا من أنه في حكم الأغنياء في حرمان الزكاة وسقوط نفقته عن قريبه ووجوب نفقة قريبه عليه، وحديثهم قضية عين لا يثبت حكمها الا في مثلها ولم يثبت أن لذلك الغريم كسا يفضل عن قدر نفقته. أما قبول الهدية والصدقة فمضرة تأباها قلوب ذوي المروءات لما فيها من المنة. فعلى هذا لا يجبر على الكسب الا من كسبه يفضل عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته لما تقدم.
(فصل) ولا يجبر على قبول صدقة، ولا هدية، ولا وصية، ولا قرض، ولا المرأة على التزويج ليأخذ مهرها لأن في ذلك ضررا للحوق المنة في الهدية والصدقة والوصية والعوض في القرض وتملك الزوج للمرأة في النكاح وجوب حقوقه عليها، ولو باع بشرط الخيار ثم أفلس فالخيار بحاله ولا يجبر على ما فيه الحظ من الرد والامضاء لأن الفلس يمنعه من احداث عقد أما من امضائه وتنفيذ عقود فلا (فصل) وان جني على المفلس جناية توجب المال ثبت وتعلقت حقوق الغرماء به ولا يصح عفوه فإن كانت موجبة للقصاص فهو مخير بين القصاص والعفو ولا يجبر على العفو على مال لأن ذلك يفوت القصاص الذي يجب لمصلحة الزحر، فإن اقتص لم يجب للغرماء شئ، وان عفا على مال ثبت وتعلق به حقوق الغرماء، وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد ان قلنا القصاص خاصة لم يثبت شئ، وان قلنا أحد أمرين ثبتت الدية أو تعلقت بها حقوق الغرماء، وان عفا على غير مال وقلنا القصاص هو الواجب عينا لم يثبت شئ، وان قلنا أحد الامرين يثبت الدية ولم يصح إسقاطه لأن عفوه عن القصاص يثبت له الدية ولا يصح إسقاطها، وإن وهب هبة بشرط الثواب ثم أفلس فبذل له الثواب لزمه قبوله ولم يكن له اسقاطه لأنه أخذه على سبيل العوض عن الموهوب كالثمن في المبيع وليس له إسقاط شئ من ثمن مبيع أو اجرة إجارة ولا قبض ردئ، ولا قبض المسلم فيه دون صفاته الا باذن غرمائه ومذهب الشافعي في هذا الفصل على نحو ما ذكرنا