يذبحون فلا يجوز شراؤها وان جاز أن تكون ذبيحة مسلم لأن الأصل التحريم فلا يجوز الا بيقين أو ظاهر وكذلك إن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس لم يجز شراؤها لذلك والأصل فيه حديث عدي بن حاتم " إذا أرسلت كلبك فخالط أكلبا لم يسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتله " متفق عليه. فاما إن كان ذلك في بلد الاسلام فالظاهر إباحتها لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع مالا يحل بيعه ظاهرا (الثاني) ما أصله الإباحة كالماء يجده متغيرا لا يعلم بنجاسة تغيره أو غيرها فهو طاهر في الحكم لأن الأصل الطهارة لا يزول عنها الا بيقين أو ظاهر ولم يوجد واحد منهما، والأصل في ذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة انه يجد الشئ قال " لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " متفق عليه (الثالث) ما لا يفرق له أصل كرجل في ماله حلال وحرام فهذا هو الشبهة التي الأولى تركها على ما ذكرناه وعملا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجد تمرة ساقطة فقال " لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها " وهو من باب الورع (فصل) وكان أحمد لا يقبل جوائز السلطان وينكر على ولده وعمه قبولها ويشدد في ذلك. وممن كان لا يقبلها سعيد بن المسيب والقاسم وبشر بن سعيد ومحمد بن واسع الثوري وابن المبارك، وكان هذا منهم على سبيل الورع لا على أنها حرام فإن احمد قال: جوائز السلطان أحب إلي من الصدقة وقال ليس أحد من المسلمين إلا وله في هذه الدراهم نصيب فكيف أقول إنها سحت وممن كان يقبل جوائزهم ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم مثل الحسن والحسين وابن جعفر ورخص فيه الحسن البصري ومكحول الزهري والشافعي. واحتج بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ومات ودرعه مرهونة عنده وأجاب يهوديا دعاه وأكل من طعامه وقد أخبر الله تعالى أنهم أكالون للسحت، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال لا بأس بجوائز السلطان فإن ما يعطيكم من حلال أكثر مما يعطيكم من الحرام وقال لا تسأل السلطان شيئا وان أعطى فخذ فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام (فصل) قال أحمد رضي الله عنه فيمن معه ثلاثة دراهم فيها درهم حرام يتصدق بالثلاثة وإن كان معه مائتا درهم فيها عشرة دراهم حرام تصدق بالعشرة لأن هذا كثير وذاك قليل، قيل له قال سفيان ما كان دون العشرة يتصدق به وما كان أكثر يخرج؟ قال نعم لا يجحف به قال القاضي ليس هذا على سبيل التحديد وإنما هو على سبيل الاختيار لأنه كلما كثر الحلال بعد تناول الحرام وشق التورع عن الجميع بخلاف القليل فإنه يسهل اخراج الكل والواجب في الموضعين اخراج قدر الحرام والباقي له وهذا لأن تحريمه لم يكن لتحريم عينه وإنما حرم لتعلق حق غيره به فإذا أخرج عوضه زال التحريم كما لو كان صاحبه حاضرا فرضي بعوضه وسواء كان قليلا أو كثيرا، والورع إخراج ما يتيقن به إخراج عين الحرام ولا يحصل ذلك إلا باخراج الجميع لكن لما شق ذلك في الكثير ترك لأجل المشقة فيه واقتصر على الواجب. ثم يختلف هذا باختلاف الناس فمنهم من لا يكون له سوى الدراهم اليسيرة فيشق اخراجها لحاجته إليها ومنهم من يكون له كثير فيستغني عنها فيسهل اخراجها والله تعالى أعلم
(٢٣)