على ذلك وقوله فكيف بمال بزاذان ليس فيه ذكر الشراء، ولان المال الأرض فيحتمل أنه أراد من السائمة أو الزرع أو نحوه، ويحتمل أنه أراد أرضا اكتراها وقد يحتمل أنه أراد بذلك غيره وقد يعيب الانسان الفعل المعيب من غيره (جواب ثان) أنه يتناول الشراء وبقي قول عمر في النهي عن البيع غير معارض، فأما المعنى فلأنها موقوفة فلم يجز بيعها كسائر الوقوف والدليل على وقفها النقل والمعنى أما النقل فما نقل من الاخبار أن عمر لم يقسم الأرض التي افتتحها وتركها لتكون مادة للمسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله إلى يوم القيامة وقد نقلنا بعض ذلك وهو مشهور تغني شهرته عن نقله وأما المعنى فلأنها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثته (الظاهر أن تكون لورثتهم) ولمن انتقلت إليه عنهم ولم تكن مشتركة بين المسلمين، ولأنه لو قسمت لنقل ذلك ولم يخف بالكلية فإن قيل فهذا لا يلزم منه الوقف لأنه يحتمل أنه تركها للمسلمين عامة فتكون فيئا للمسلمين والإمام نائبهم فيفعل ما يرى فيه المصلحة من بيع وغيره، ويحتمل أنه تركها لأربابها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، قلنا أما الأول فلا يصح لأن عمر إنما ترك قسمتها لتكون مادة للمسلمين كلهم ينتفعون بها مع بقاء أصلها وهذا معنى الوقف، ولو جاز تخصيص قوم بأصلها لكان الذين افتتحوها أحق بها ولا يجوز أن يمنعها أهلها لمفسدة ثم يخص بها غيرهم مع وجود المفسدة المانعة والثاني أظهر فسادا من الأول لأنه إذا منعها المسلمين المستحقين كيف يخص بها أهل الذمة المشركين الذين لا حق لهم ولا نصيب؟
(فصل) وإذا بيعت هذه الأرض فحكم بصحة البيع حاكم صح لأنه مختلف فيه فصح بحكم الحاكم كسائر المختلفات، وإن باع الإمام شيئا لمصلحة رآها مثل أن يكون في الأرض ما يحتاج إلى عمارته ولا يعمرها الا من يشتريها صح أيضا لأن فعل الإمام كحكم الحاكم، وقد ذكر ابن عائذ في كتاب فتوح الشام قال: قال غير واحد من مشايخنا إن الناس سألوا عبد الملك والوليد وسليمان ان يأذنوا لهم في شراء الأرض من أهل الذمة فأذنوا لهم على ادخال أثمانها في بيت المال، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أعرض عن تلك الأشرية لاختلاط الأمور فيها لما وقع فيها من المواريث ومهور النساء وقضاء الديون ولما لم يقدر على تخليصه ولا معرفة ذلك كتب كتابا قرئ على الناس: إن من اشترى شيئا بعد سنة مائة إن بيعه مردود. وتسمى سنة مائة سنة المدة فتناهى الناس عن شرائها ثم اشتروا أشرية كبيرة كانت بأيدي أهلها تؤدي العشر ولا جزية عليها، فلما أفضى الامر إلى المنصور ورفعت إليه تلك الأشرية وأن ذلك أضر بالخراج وكسره فأراد ردها إلى أهلها فقيل له قد وقعت في المواريث والمهور واختلط أمرها. فبعث المعدلين منهم عبد الله بن يزيد إلى حمص، وإسماعيل بن عباس إلى بعلبك، وهضاب بن طوق ومحرز ابن زريق إلى الغوطة، وأمرهم أن لا يضعوا على القطائع والأشرية القديمة خراجا ومنعوا الخراج على ما بقي بأيدي الأنباط وعى الأشرية المحدثة من سنة مائة إلى السنة التي عدل فيها فعلى هذا ينبغي أن يجزئ ما باعه إمام أو بيع باذنه أو تعذر رد بيعه هذا المجزئ في أن يضرب عليه خراج بقدر ما يحتمله ويترك في يد مشتريه أو من انتقل إليه إلا ما بيع قبل المائة سنة فإنه لا خراج عليه كما نقل في هذا الخبر