شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٩٠٠
أنت على كل شئ شهيد). فجاء بكل للعموم، وبشئ، لكونه أنكر النكرات. وجاء بالاسم (الشهيد) فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما يقتضيه حقيقة ذلك المشهود.) أي، ثم أخبر إن الاسم (الشهيد) الذي قال في حق نفسه: (و كنت عليهم شهيدا) أيضا للحق بقوله: (وأنت على كل شئ شهيد) فجاء بلفظ (الكل) الذي هو للعموم، وبلفظ (الشئ) الذي هو أنكر النكرات، تفريقا بين كونه شهيدا وبين كون الحق شهيدا، فإنه شهيد لقومه مدة بقائه فيهم، والحق شهيد عليهم وعلى كل شئ أزلا وأبدا بحسب ما يقتضيه حقائقهم.
(فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال: (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم). فهي شهادة الحق في مادة عيسوية، كما ثبت أنه لسانه وسمعه و بصره.) أي، نبه بقوله: (وأنت على كل شئ شهيد) أنه هو الشهيد أيضا في الصورة العيسوية، لا غيره.
(ثم، قال: كلمة عيسوية ومحمدية. أما كونها عيسوية، فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه. وأما كونها محمدية، فلوقوعها من محمد، صلى الله عليه و سلم، بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها، لم يعدل إلى غيرها حتى طلع الفجر: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).) أي، ثم قال عيسى كلمة ينسب إليه وإلى محمد، صلى الله عليه وسلم، وهي:
(إن تعذبهم فإنهم عبادك...) أما نسبتها إلى الكلمة العيسوية، فبإخبار الله في كتابه عنه، وأما نسبتها إلى المحمدية، فيكونه، عليه السلام، قام بها ليلة كاملة يقرأها ويكررها حتى طلع الفجر. ولما قال: (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم). وكان الفقر سترا - وضمير الغائب أيضا يدل عليه فإن الغائب عن الحس مستور عنه - نبه عليه بقوله: (و (هم) ضمير الغائب، كما أن (هو) ضمير الغائب، كما قال: (هم الذين كفروا) بضمير الغائب. فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر، فقال: (إن تعذبهم) بضمير الغائب) أي، (هم) في قوله:
(إن تعذبهم وإن تغفر لهم) ضمير الغائب. كما أنه (هو) في قوله: (قل هو الله أحد). و (هو الذي في السماء اله وفي الأرض إله). و (هو الله الذي لا إله إلا هو). (*)
(٩٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 895 896 897 898 899 900 901 902 903 904 905 ... » »»