رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٨
حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح.. يعرض عليهم ابنه عليه السلام ويقول: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم. أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم. ويضيف - منبها لهم إلى أن هذه هي فرصتهم الوحيدة في المهدى (ع) - قائلا: أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا (1).
ونجد أنه عليه السلام عرض ولده على أصحابه في اليوم الثالث من ولادته، وأعطاهم المفهوم الأساسي الصحيح الذي أوكله الله تعالى إليه، وعين لهم تكليفهم تجاهه بصفته الامام بعد أبيه. وقال لهم: هذا صاحبكم بعدي وخليفتي عليكم.. وهو القائم الذي تمد إليه الأعناق بالانتظار. فإذا امتلأت الأرض جورا وظلما، خرج، فملأها قسطا و عدلا (2).
فهذا وذاك هو الإعلان الرسمي الكبير الذي قام به الإمام العسكري عليه السلام، على طرفي المدة بعد الميلاد وقبل الوفاة لكي يكون هو الأساس المتين لإقامة الحجة تجاه القواعد الشعبية الموالية. وكان خلال هذه المدد يعرضه على أشخاص بمفردهم حين يزورونه. فمنهم: عمرو الأهوازي، حيث أراه أبو محمد (ع) ولده المهدى (ع) وقال: هذا صاحبكم (3).
ومنهم: شخص آخر يزور الإمام عليه السلام ويريد أن يتأكد من وجود الإمام (ع) بعده قائلا: يا سيدي من صاحب هذا الامر؟ يعنى الإمامة فيأمره الإمام العسكري (ع) برفع ستر كان مسبلا على باب غرفة إلى جنبه. فيرفعه الرجل فيخرج إليهم غلام يقدره الراوي بعشر أو ثمان سنين، واضح الجبين، أبيض، درى المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة: فيجلس على فخذ أبى محمد عليه السلام. فيقول الامام للرجل هذا هو صاحبكم. ثم وثب الغلام فقال له أبوه: يا بنى أدخل إلى الوقت المعلوم، (4) يعنى وقت ظهوره عجل الله فرجه.
ولا يخفى أن تقدير الراوي لعمر المهدي عليه السلام، لا ينافي ما عرفناه من أن عمره حين وفاة أبيه خمس سنين. فإن هذا بحسب عدد السنين هو الصحيح وأما بحسب النظر إلى نمو المهدي عليه السلام ونشاطه البدني، فلا يمكن أن نستبعد أن يبدو في ظرف خمس سنين أو أقل، كابن ثمان سنين أو أكثر. وذلك انطلاقا من أحد أساسين.
الأساس الأول: الميزان الطبي الطبيعي. فإنه من المشاهد أن كثيرا من الناس لا يمكن تقدير أعمارهم بشكل دقيق، إذ يبدو للناظر أنهم أكبر من عمرهم الحقيقي بعدة سنوات أو أصغر بعدة سنوات. فإذا أضفنا إلى ذلك نشاطا متزايدا وصحة موفورة،

1 - أنظر اكمال الدين - نسخة مخطوطة.
2 - أنظر الاكمال المخطوط.
3 - أنظر الارشاد ص 329 وص 330 مكررا.
4 - انظر اكمال الدين المخطوط.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»