تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٦
يتمهن ويقوم بهن بعد النبوة فلا جرم أعطاه خلعة الإمامة والنبوة ولا يخفى أن الفاء يأبى عن الحمل على هذا المعنى.
* (قال) * استئناف بياني والضمير لإبراهيم عليه السلام * (ومن ذريتي) * عطف على الكاف يقال سأكرمك فتقول وزيدا وجعله على معنى: ماذا يكون من ذريتي بعيد. وذهب أبو حيان إلى أنه متعلق بمحذوف أي - اجعل من ذريتي - إماما لأنه عليه السلام فهم من * (إني جاعلك) * الاختصاص به، واختاره بعضهم واعترضوا على ما تقدم بأن الجار والمجرور لا يصلح مضافا إليه فكيف يعطف عليه وبأن العطف على الضمير كيف يصح بدون إعادة الجار وبأنه كيف يكون المعطوف مقول قائل آخر، ودفع الأولون بأن الإضافة اللفظية في تقدير الانفصال * (ومن ذريتي) * في معنى: بعض ذريتي فكأنه قال: وجاعل بعض ذريتي وهو صحيح على أن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار وإن أباه أكثر النحاة إلا أن المحققين من علماء العربية وأئمة الدين على جوازه حتى قال صاحب " العباب ": إنه وارد في القراآت السبعة المتواترة فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم، ودفع الثالث: بأنه من قبيل عطف التلقين فهو خبر في معنى الطلب وكأن أصله: واجعل بعض ذريتي كما قدره المعترض لكنه عدل عنه إلى المنزل لما فيه من البلاغة من حيث جعله من تتمة كلام المتكلم كأنه مستحق مثل المعطوف عليه وجعل نفسه كالنائب عن المتكلم والعدول من صيغة الأمر للمبالغة في الثبوت ومراعات الأدب في التفادي عن صورة الأمر وفيه من الاختصار الواقع موقعه ما يروق كل ناظر؛ ونظير هذا العطف ما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين ".
وقد ذكر الأصوليون أن التلقين ورد بالواو وغيرها من الحروف وأنه وقع في الاستثناء كما في الحديث: " إن الله تعالى حرم شجر الحرم قالوا إلا الإذخر يا رسول الله " واعترض أيضا بأن العطف المذكور يستدعي أن تكون إمامة - ذريته - عامة لجميع الناس عموم إمامته عليه السلام على ماقيل، وليس كذلك؛ وأجيب بأنه يكفي في العطف الاشتراك في أصل المعنى، وقيل: يكفي قبولها في حق نبينا عليه الصلاة والسلام - والذرية - نسل الرجل وأصلها الأولاد الصغار ثم عمت الكبار والصغار الواحد وغيره، وقيل: إنها تشمل الآباء لقوله تعالى: * (أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون) * (يس: 41) يعني نوحا وأبناءه والصحيح خلافه، وفيها ثلاث لغات - ضم الذال وفتحها وكسرها - وبها قرىء وهي إما فعولة من ذروت أو ذريت والأصل ذرووة أو ذروية فاجتمع في الأول واوان زائدة وأصلية فقلبت الأصلية ياء فصارت كالثانية فاجتمعت ياء وواء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الباء فصارت ذرية أو فعلية منهما والأصل في الأول - ذريوية - فقلبت الواو ياء لما سبق فصارت - ذريية - كالثانية فأدغمت الياء في مثلها فصارت ذرية، أو فعلية من الذرء بمعنى الخلق والأصل ذرئية فقلبت الهمزة ياء وأدغمت، أو فعيلة من الذر بمعنى التفريق والأصل ذريرة قلبت الراء الأخيرة ياء هربا من ثقل التكرير كما قالوا في تظننت تظنيت، وفي تقضضت تقضيت، أو فعولة منه والأصل ذرورة فقلبت الراء الأخيرة ياء فجاء الإدغام أو فعلية منه على صيغة النسبة قالوا: وهو الأظهر لكثرة مجئيها كحرية ودرية، وعدم احتياجها إلى الإعلال وإنما ضمت ذاله لأن الأبنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في النسبة إلى الدهر: دهري. * (قال) * استئناف بياني أيضا؛ والضمير لله عز اسمه * (لا ينال عهدي الظ‍المين) * إجابة لما
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»