تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٥
كما يليق. الثاني: عوده على * (ربه) * مرفوعا، والمعنى حينئذ يسر له العمل بهن وقواه على - إتمامهن - أو أتم له أجورهن، أو أدامهن سنة فيه وفي عقبه إلى يوم الدين. الثالث: عوده على إبراهيم مرفوعا - والمعنى عليه - أتم * (إبراهيم) * الكلمات المدعو بها بأن راعى شروط الإجابة فيها، ولم يأت بعدها بما يضيعها. الرابع: عوده إلى * (ربه) * منصوبا - والمعنى عليه - فأعطى سبحانه إبراهيم جميع ما دعاه، وأظهر الاحتمالات الأول والرابع، إذ التمدح غير ظاهر في الثاني - مع ما فيه من حذف المضاف على أحد محتملاته - والاستعمال المألوف غير متبع في الثالث، ولأن الفعل الواقع في مقابلة الاختبار يجب أن يكون فعل المختبر اسم مفعول.
* (قال إني جاعلك للناس إماما) * استئناف بياني إن أضمر ناصب * (إذ) * كأنه قيل: فماذا كان بعد؟ فأجيب بذلك، أو بيان - لابتلى - بناء على رأي من جعل - الكلمات - عبارة عما ذكر أثره وبعضهم يجعل ذلك من بيان الكلي بجزئي من جزئياته - وإذا نصبت * (إذ) * ب * (قال) * كما ذهب إليه أبو حيان -: يكون المجموع جملة معطوفة على ما قبلها على الوجه الذي مر تفصيله، وقيل: مستطردة أو معترضة، ليقع قوله تعالى: * (أم كنتم شهداء) * (البقرة: 133) إن جعل خطابا لليهود موقعه، ويلائم قوله سبحانه: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) * (البقرة: 135) و (جاهل) من - جعل - بمعنى صير المتعدي إلى مفعولين، و * (للناس) * إما متعلق ب (- جاعل) أي لأجلهم، وإما في موضع الحال لأنه نعت نكرة تقدمت أي إماما كائنا لهم - والإمام - اسم للقدوة الذي يؤتم به. ومنه قيل لخيط البناء: إمام، وهو مفرد على فعال، وجعله بعضهم اسم آلة لأن فعالا من صيغها - كالإزار - واعترض بأن - الإمام - ما يؤتم به، والإزار ما يؤتزر به - فهما مفعولان - ومفعول الفعل ليس بآلة لأنها الواسطة بين الفاعل والمفعول في وصول أثره إليه، ولو كان المفعول آلة لكان الفاعل كذلك - وليس فليس - ويكون جمع - آم - اسم فاعل من - أم يؤم - كجائع وجياع، وقائم وقيام، وهو بحسب المفهوم وإن كان شاملا للنبي والخليفة وإمام الصلاة، بل كل من يقتدي به في شيء ولو باطلا كما يشير إليه قوله تعالى: * (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) * (القصص: 41) إلا أن المراد به ههنا النبي المقتدى به، فإن من عداه لكونه مأموم النبي ليست إمامته كإمامته، وهذه الإمامة إما مؤبدة - كما هو مقتضى تعريف الناس - وصيغة اسم الفاعل الدال على الاستمرار ولا يضر مجيء الأنبياء بعده لأنه لم يبعث نبي إلا وكان من ذريته ومأمورا باتباعه في الجملة لا في جميع الأحكام لعدم اتفاق الشرائع التي بعده في الكل، فتكون إمامته باقية بإمامة أولاده التي هي أبعاضه على التناوب، وإما مؤقتة بناء على أن ما نسخ - ولو بعضه - لا يقال له مؤبد وإلا لكانت إمامة كل نبي مؤبدة ولم يشع ذلك، فالمراد من (الناس) حينئذ أمته الذين اتبعوه، ولك أن تلتزم القول بتأبيد إمامة كل نبي - ولكن في عقائد التوحيد - وهي لم تنسخ بل لا تنسخ أصلا كما يشير إليه قوله تعالى؛ * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90) وعدم الشيوع غير مسلم، ولئن سلم لا يضر، والامتنان على إبراهيم عليه السلام بذلك دون غيره لخصوصية اقتضت ذلك لا تكاد تخفى فتدبر. ثم لا يخفى أن ظاهر الآية يشير إلى أن الابتلاء كان قبل النبوة لأنه تعالى جعل القيام بتلك الكلمات سببا لجعله إماما، وقيل: إنه كان بعدها لأنه يقتضي سابقة الوحي، وأجيب بأن مطلق الوحي لا يستلزم البعثة إلى الخلق وأنت تعلم أن ذبح الولد والهجرة والنار إن كانت من - الكلمات - يشكل الأمر لأن هذه كانت بعد النبوة بلا شبهة، وكذا الختان أيضا بناء على ما روي أنه عليه الصلاة والسلام حين ختن نفسه كان عمره مائة وعشرين فحينئذ يحتاج إلى أن يكون - إتمام الكلمات - سبب الإمامة باعتبار عمومها للناس واستجابة دعائه في حق بعض ذريته، ونقل الرازي عن القاضي أنه على هذا يكون المراد من قوله تعالى: * (فأتمهن) * أنه سبحانه وتعالى علم من حاله أنه
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»