تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٦٥
التي يعرف فيها فيسجد له بالفناء الذاتي أن يذكر فيها اسمه الخاص الذي هو الاسم الأعظم، إذ لا يتجلى بهذا الاسم إلا في القلب - وهو التجلي بالذات مع جميع الصفات - أو اسمه المخصوص بكل واحد منها، أي الكمال اللائق باستعداده المقتضي له وسعى في خرابها بتكديرها بالتعصبات وغلبة الهوى، ومنع أهلها بتهييج الفتن اللازمة لتجاذب قوى النفس، ودواعي الشيطان والوهم أولئك ما كان لهم أن يدخلوها ويصلوا إليها إلا خائفين منكسرين لظهور تجلي الحق فيها لهم في الدنيا خزي وافتضاح وذلة بظهور بطلان ما هم عليه ولهم في الآخرة عذاب عظيم وهو احتجابهم عن الحق سبحانه.
* (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم) * * (ولله المشرق والمغرب) * أي الناحيتان المعلومتان المجاورتان لنقطة تطلع منها الشمس وتغرب، وكنى بمالكيتهما عن مالكية كل الأرض، وقال بعضهم: إذا كانت الأرض كروية يكون كل مشرق بالنسبة مغربا بالنسبة - والأرض كلها كذلك - فلا حاجة إلى التزام الكناية، وفيه بعد * (فأينما تولوا) * أي ففي أي مكان فعلتم التولية شطر القبلة، وقرأ الحسن * (تولوا) * على الغيبة * (فثم وجه الله) * أي فهناك جهته سبحانه التي أمرتم بها، فإذا مكان - التولية - لا يختص بمسجد دون مسجد ولا مكان دون آخر * (فأينما) * ظرف لازم الظرفية متضمن لمعنى الشرط وليس مفعولا ل‍ * (تولوا) * - والتولية - بمعنى الصرف منزل منزلة اللازم، و (ثم) اسم إشارة للمكان البعيد خاصة - مبني على الفتح - ولا يتصرف فيه بغير - من - وقد وهم من أعربه مفعولا به في قوله تعالى: * (وإذا رأيت ثم رأيت نعيما) * (الإنسان: 20) وهو خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر، والجملة جواب الشرط - والوجه - الجهة - كالوزن والزنة - واختصاص الإضافة باعتبار كونها مأمورا بها، وفيها رضاه سبحانه، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل ومجاهد وقتادة وقيل: الوجه بمعنى الذات مثله في قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) إلا أنه جعل هنا كناية عن علمه واطلاعه بما يفعل هناك، وقال أبو منصور: بمعنى الجاه، ويؤل إلى الجلال والعظمة، والجملة - على هذا - اعتراض لتسلية قلوب المؤمنين بحل الذكر والصلاة في جميع الأرض - لا في المساجد خاصة - وفي الحديث الصحيح: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " ولعل غيره عليه الصلاة والسلام لم تبح له الصلاة في غير البيع والكنائس، وصلاة عيسى عليه السلام - في أسفاره - في غيرها كانت عن ضرورة - فلا حاجة إلى القول باختصاص المجموع - وجوز أن تكون (أينما) مفعول * (تولوا) * بمعنى الجهة، فقد شاع في الاستعمال (أينما) توجهوا، بمعنى أي جهة توجهوا - بناء على ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما - أن الآية نزلت في صلاة المسافر والتطوع على الراحلة، وعلى ما روي عن جابر أنها نزلت في قوم عميت عليهم - القبلة - في غزوة كنت فيها معهم، فصلوا إلى الجنوب والشمال، فلما أصبحوا تبين خطؤهم، ويحتمل - على هاتين الروايتين - أن تكون (أينما) كما في الوجه الأول أيضا، ويكون المعنى في أي مكان فعلتم أي - تولية - لأن حذف المفعول به يفيد العموم، واقتصر عليه بعضهم مدعيا أن ما تقدم لم يقل به أحد من أهل العربية، ومن الناس من قال: الآية توطئة لنسخ القبلة، وتنزيه للمعبود أن يكون في حيز وجهة، وإلا لكانت أحق بالاستقبال، وهي محمولة على العموم غير مختصة بحال السفر أو حال التحري، والمراد ب (أينما) أي جهة، وبالوجه الذات ووجه الارتباط حينئذ أنه لما جرى ذكر - المساجد - سابقا أورد بعدها تقريبا حكم - القبلة - على سبيل الاعتراض، وادعى بعضهم أن هذا أصح الأقوال، وفيه تأمل * (إن الله واسع) * أي محيط بالأشياء ملكا أو رحمة، فلهذا - وسع - عليكم - القبلة - ولم يضيق عليكم * (عليم) * بمصالح العباد وأعمالهم
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»