وعند الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه لا يستوفى من الملتجىء قصاص مطلقا ولو قصاص الأطراف حتى يخرج ومن الناس من جعل - (أمنا) - مفعولا ثانيا لمحذوف على معنى الأمر أي - واجعلوه أمنا - كما جعلناه مثابة وهو بعيد عن ظاهر النظم، ولم يذكر للناس هنا كما ذكر من قبل، اكتفاء به أو إشارة إلى العموم أي أنه أمن لكل شيء كائنا ما كان حتى الطير والوحش إلا الخمس الفواسق فإنها خصت من ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه أمن الناس دخولا أوليا * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * عطف على جعلنا أو حال من فاعله على إرادة القول أي وقلنا أو قائلين لهم اتخذوا والمأمور به الناس كما هو الظاهر أو إبراهيم عليه السلام وأولاده كما قيل، أو عطف على اذكر المقدر عاملا ل * (إذ) *، أو معطوف على مضمر تقديره ثوبوا إليه * (واتخذوا) * وهو معترض باعتبار نيابته عن ذلك بين (جعلنا) و (عهدنا) ولم يعتبر الاعتراض من دون عطف مع أنه لا يحتاج إليه ليكون الارتباط مع الجملة السابقة أظهر، والخطاب على هذين الوجهين لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم رأس المخاطبين. و * (من) * إما للتبعيض أو بمعنى - في - أو زائدة - على مذهب الأخفش - والأظهر الأول، وقال القفال: هي مثل اتخذت من فلان صديقا وأعطاني الله تعالى من فلان أخا صالحا، دخلت لبيان المتخذ الموهوب وتمييزه، و - المقام - مفعل من القيام يراد به المكان أي مكان قيامه وهو الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم عليه السلام حين ضعف من رفع الحجارة التي كان ولده إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت، وفيه أثر قدميه قاله ابن عباس، وجابر، وقتادة، وغيرهم، وأخرجه البخاري - وهو قول جمهور المفسرين - وروي عن الحسن أنه الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل عليه السلام تحت إحدى رجليه وهو راكب فغسلت أحد شقي رأسه ثم رفعته من تحتها وقد غاصت فيه ووضعته تحت رجله الأخرى فغسلت شقه الآخر وغاصت رجله الأخرى فيه أيضا، أو الموضع الذي كان فيه الحجر حين قام عليه ودعا الناس إلى الحج ورفع بناء البيت، وهو موضعه اليوم - فالمقام - في أحد المعنيين حقيقة لغوية وفي الآخر مجاز متعارف ويجوز حمل اللفظ على كل منهما - كذا قالوا - إلا أنه استشكل تعيين الموضع بما هو الموضع بما هو الموضع اليوم لما في " فتح الباري " من أنه كان المقام أي الحجر من عهد إبراهيم عليه السلام لزيق البيت إلى أن أخره عمر رضي الله تعالى عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن أخرجه عبد الرزاق بسند قوي، وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله، فإن هذا يدل على تغاير الموضعين سواء كان المحول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عمر رضي الله تعالى عنه، وأيضا كيف يمكن رفع البناء حين القيام عليه حال كونه في موضعه اليوم؟! وهو بعيد من الحجر الأسود بسبعة وعشرين ذراعا، وأيضا المشهور أن دعوة الناس إلى الحج كانت فوق أبي قبيس فإنه صعده بعد الفراغ من عمارة البيت ونادى أيها الناس حجوا بيت ربكم فإن لم يكن الحجر معه حينئذ أشكل القول بأنه قام عليه ودعا وإن كان معه وكان الوقوف عليه فوق الجبل - كما يشير إليه كلام روضة الأحباب، وبه يحصل الجمع - أشكل التعيين بماهو اليوم وغاية التوجيه أن يقال لا شك أنه عليه السلام كان يحول الحجر حين البناء من موضع إلى موضع ويقوم عليه فلم يكن له موضع معين، وكذا حين الدعوة لم يكن عند البيت بل فوق أبي قبيس فلا بد من صرف عباراتهم عن ظاهرها بأن يقال الموضع الذي كان الحجر في أثناء زمان قيامه عليه واشتغاله بالدعوة، أو رفع البناء لا حالة القيام عليه، ووقع في بعض الكتب أن هذا المقام الذي فيه الحجر الآن كان بيت إبراهيم عليه السلام، وكان ينقل هذا الحجر بعد الفراغ من العمل إليه، وأن الحجر
(٣٧٩)