تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٧١
وقرأ أبي و (ما) بدل و * (لا) * وابن مسعود (ولن) بدل (ذلك) وقرأ نافع، ويعقوب - لا تسأل - على صيغة النهي إيذانا بكمال شدة عقوبة الكفار وتهويلا لها كما تقول كيف حال فلان وقد وقع في مكروه فيقال لك لا تسأل عنه أي أنه لغاية فظاعة ما حل به لا يقدر المخبر على إجرائه على لسانه أو لا يستطيع السامع أن يسمعه، والجملة على هذا اعتراض أو عطف على مقدر أي فبلغ، والنهي مجازي، ومن الناس من جعله حقيقة، والمقصود منه بالذات نهيه صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه على ما روي - أنه عليه الصلاة والسلام سأل جبريل عن قبريهما فدله عليهما فذهب فدعا لهما وتمنى أن يعرف حالهما في الآخرة وقال: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت - ولا يخفى بعد هذه الرواية لأنه صلى الله عليه وسلم - كما في " المنتخب " - عالم بما آل إليه أمرهما، وذكر الشيخ ولي الدين العراقي أنه لم يقف عليها، وقال الإمام السيوطي: لم يرد في هذا إلا أثر معضل ضعيف الإسناد فلا يعول عليه، والذي يقطع به أن الآية في كفار أهل الكتاب كالآيات السابقة عليها والتالية لها لا في أبويه صلى الله عليه وسلم، ولتعارض الأحاديث في هذا الباب وضعفها، قال السخاوي: الذي ندين الله تعالى به الكف عنهما وعن الخوض في أحوالهما. والذي أدين الله تعالى به أنا أنهما ماتا موحدين في زمن الكفر، وعليه يحمل كلام الإمام - أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه إن صح بل أكاد أقول: إنهما أفضل من علي القاري وأضرابه. و - الجحيم - النار بعينه إذا شب وقودها ويقال: جحمت النار تحجم جحما إذا اضطربت.
* (ولن ترضى عنك اليهود ولا النص‍ارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوآءهم بعد الذي جآءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) * * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النص‍ارى حتى تتبع ملتهم) * بيان لكمال شدة شكيمتي هاتين الطائفتين إثر بيان ما يعمهما، والمشركين مما تقدم ولا بين المعطوفين لتأكيد النفي وللإشعار بأن رضا كل منهما مباين لرضا الأخرى، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وفيه من المبالغة في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إسلامهم ما لا غاية وراءه فإنهم حيث لم يرضوا عنه عليه الصلاة والسلام، ولو خلاهم يفعلون ما يفعلون بل أملوا ما لا يكاد يدخل دائرة الإمكان، وهو الاتباع لملتهم التي جاء بنسخها فكيف يتصور اتباعهم لملته صلى الله عليه وسلم، واحتيج لهذه المبالغة لمزيد حرصه صلى الله عليه وسلم على إيمانهم على ما روي أنه كان يلاطف كل فريق رجاء أن يسلموا فنزلت، والملة في الأصل اسم من أمللت الكتاب بمعنى أمليته كما قال الراغب، ومنه طريق ملول - أي مسلوك معلوم - كما نقله الأزهري ثم نقلت إلى أصول الشرائع باعتبار أنها يمليها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يختلف الأنبياء عليهم السلام فيها، وقد تطلق الباطل كالكفر ملة واحدة، ولا تضاف إليه سبحانه فلا يقال ملة الله، ولا إلى آحاد الأمة، والدين يرادفها صدقا لكنه باعتبار قبول المأمورين لأنه في الأصل الطاعة والانقياد ولاتحاد ما صدقهما قال تعالى: * (دينا قيما ملة إبراهيم) * (الأنغام: 161) وقد يطلق الدين على الفروع تجوزا، ويضاف إلى الله تعالى وإلى الآحاد وإلى طوائف مخصوصة نظرا إلى الأصل على أن تغاير الاعتبار كاف في صحة الإضافة، ويقع على الباطل أيضا، وأما الشريعة فهي المورد في الأصل، وجعلت اسما للأحكام الجزئية المتعلقة بالمعاش والمعاد سواء كانت منصوصة من الشارع أو لا لكنها راجعة إليه والنسخ والتبديل يقع فيها، وتطلق على الأصول الكلية تجوزا قاله بعض المحققين. ووحدت الملة وإن كان لهم ملتان للإيجاز أو لأنهما يجمعهما الكفر، وهو ملة واحدة، ثم إن هذا ليس ابتداء كلام منه تعالى بعدم رضاهم بل هو حكاية لمعنى كلام قالوه بطريق التكلم ليطابقه قوله سبحانه.
* (قل إن هدى هو الهدى) * فإنه على طريقة الجواب لمقالتهم ولعلهم ما قالوا ذلك إلا لزعمهم أن دينهم
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»