تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٨٧
وقيل: خبر من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة، والجملة صفة (رسولا) وقيل: في موضع الحال منه.
* (ويعلمهم الكت‍اب) * بأن يفهمهم ألفاظه ويبين لهم كيفية أدائه، ويوقفهم على حقائقه وأسراره.
والظاهر: أن مقصودهما من هذه الدعوة أن يكون - الرسول - صاحب كتاب يخرجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، وقد أجاب سبحانه هذه الدعوة بالقرآن، وكونه بخصوصه كان مدعوا به غير بين ولا مبين.
و الحكمة أي وضع الأشياء مواضعها، أو ما يزيل من القلوب وهج حب الدنيا، أو الفقه في الدين، أو السنة المبينة - للكتاب - أو - الكتاب - نفسه، وكرر للتأكيد اعتناء بشأنه، وقد يقال: المراد بها حقائق الكتاب ودقائقه وسائر ما أودع فيه، ويكون - تعليم الكتاب - عبارة عن تفهيم ألفاظه، وبيان كيفية أدائه، وتعليم الحكمة الإيقاف على ما أودع فيه، وفسرها بعضهم بما تكمل به النفوس من المعارف والأحكام؛ فتشمل الحكمة النظرية والعملية، قالوا: وبينها وبين ما في (الكتاب) عموم من وجه لاشتمال القرآن على القصص والمواعيد، وكون بعض الأمور الذي يفيد كمال النفس - علما وعملا - غير مذكور في (الكتاب) وأنت تعلم أن هذا القول بعد سماع قوله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شيء) * (الأنعام: 38) وقوله سبحانه تعالى: * (تبيانا لكل شيء) * (النحل: 89) مما لا ينبغي الإقدام عليه، اللهم إلا أن تكون هذه النسبة بين ما في (الكتاب) الذي في الدعوة مع قطع النظر عما أجيبت به وبين الحكمة فتدبر.
* (ويزكيهم) * أي يطهرهم من أرجاس الشرك وأنجاس الشك وقاذورات المعاصي - وهو إشارة إلى التخلية كما أن التعليم إشارة إلى التحلية - ولعل تقديم الثاني على الأول لشرافته - والقول بأن المراد يأخذ منهم الزكاة التي هي سبب لطهرتهم أو يشهد لهم - بالتزكية والعدالة - بعيد * (إنك أنت العزيز الحكيم) * أي الغالب المحكم لما يريد، فلك أن تخصص واحدا منهم بالرسالة الجامعة لهذه الصفات بإرادته من غير مخصص، وحمل (العزيز) هنا على من لا مثل له - كما قاله ابن عباس - أو المنتقم - كما قاله الكلبي - و (الحكيم) على العالم - كما قيل - لا يخلو عن بعد.
* (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفين‍اه في الدنيا وإنه فى الاخرة لمن الص‍الحين) * * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) * إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء - من يرغب عن ملته - وهي الحق الواضح غاية الوضوح، أي لا يرغب عن ذلك أحد * (إلا من سفه نفسه) * أي جعلها مهانة ذليلة. وأصل - السفه - الخفة، ومنه زمام سفيه - أي خفيف - وسفه - بالكسر - كما قال المبرد وثعلب: متعد بنفسه، و * (نفسه) * مفعول به، وأما (سفه) بالضم فلازم، ويشهد له ما جاء في الحديث: " الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس " وقيل: إنه لازم أيضا، وتعدى إلى المفعول لتضمنه معنى ما يتعدى إليه، أي جهل نفسه لخفة عقله وعدم تفكره، وهو قول الزجاج، أو أهلكها، وهو قول أبي عبيدة؛ وقيل: إن النصب بنزع الخافض - أي في نفسه - فلا ينافي اللزوم - وهو قول لبعض البصريين - وقيل: على التمييز كما في قول نابغة الذبياني: ونأخذ بعده بذناب عيش * أجب الظهر ليس له سنام وقيل: على التشبيه بالمفعول به، واعترض الجميع أبو حيان قائلا: إن التضمين والنصب بنزع الخافض لا ينقاسان، وإن التشبيه بالمفعول به مخصوص عند الجمهور بالصفة - كما قيل به في البيت - وأن البصريين منعوا مجىء التمييز معرفة، فالحق الذي لا ينبغي أن يتعدى القول بالتعدي. و (من) إما موصولة أو موصوفة في محل الرفع على المختار بدلا من الضمير في * (يرغب) * لأنه استثناء من غير موجب، وسبب نزول الآية ما روي أن عبد الله
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»