تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٨
بناء على أن الظلم خلاف العدل، ووجه الاستدلال حينئذ أن الآية دلت على أن نيل الإمامة لا يجامع الظلم السابق فإذا تحقق النيل كما في الأنبياء علم عدم اتصافهم حال النيل بالظلم السابق وذلك إما بأن لا يصدر منهم ما يوجب ذلك أو بزواله بعد حصوله بالتوبة ولا قائل بالثاني إذ الخلاف إنما هو في أن صدور الكبيرة هل يجوز قبل البعثة أم لا؟ فيتعين الثاني وهو العصمة، أو المراد بها ههنا عدم صدور الذنب لا الملكة وكذا إذا تحقق الاتصاف بالظلم كما في الفاسق على عدم حصول الإمامة بعد ما دام اتصافه بذلك واستفادة عدم صلاحية الفاسق للإمامة على ما قررنا من منطوق الآية وجعلها من دلالة النص أو القياس المحوج إلى القول بالمساواة ولا أقل، أو التزام جامع وهما مناط العيوق إنما يدعو إليه حمل الإمامة على النبوة، وقد علمت أن المبنى الحمل على الأعم وكان الظاهر أن الظلم الطارىء والفسق العارض يمنع عن الإمامة بقاءا كما منع عنها ابتداءا لأن المنافاة بين الوصفين متحققة في كل آن - وبه قال بعض السلف - إلا أن الجمهور على خلافه مدعين أن المنافاة في الابتداء لا تقتضي المنافاة في البقاء لأن الدفع أسهل من الرفع، واستشهدوا له بأنه لو قال لامرأة مجهولة النسب يولد مثلها لمثله: هذه بنتي لم يجز له نكاحها ولو قال لزوجته الموصوفة بذلك لم يرتفع النكاح لكن إن أصر عليه يفرق القاضي بينهما وهذا الذين قالوه إنما يسلم فيما إذا لم يصل الظلم إلى حد الكفر أما إذا وصل إليه فإنه ينافي الإمامة بقاءا أيضا بلا ريب وينعزل به الخليفة قطعا، ومن الناس من استدل بالآية على أن الظالم إذا عوهد لم يلزم الوفاء بعهده وأيد ذلك بما روي عن الحسن أنه قال: إن الله تعالى لم يجعل للظالم عهدا وهو كما ترى، وقرأ أبو الرجاء، وقتادة، والأعمش (الظالمون) بالرفع على أن (عهدي) مفعول مقدم على الفاعل اهتماما ورعاية للفواصل.
* (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنآ إلى إبراهيم وإسم‍اعيل أن طهرا بيتى للطآئفين والع‍اكفين والركع السجود) * * (وإذ جعلنا البيت) * عطف على * (وإذ ابتلى) * (البقرة: 124) والبيت من الأعلام الغالبة للكعبة كالنجم للثريا * (مثابة للناس) * أي مجمعا لهم قاله الخليل وقتادة - أو معاذا وملجأ - قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو مرجعا يثوب إليه أعيان الزوار أو أمثالهم - قاله مجاهد وجبير - أو مرجعا يحق أن يرجع ويلجأ إليه قاله بعض المحققين - أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره - قال عطاء - وحكاه الماوردي عن بعض أهل اللغة والتاء فيه وتركه لغتان كما في مقام ومقامة وهي لتأنيث البقعة - وهو قول الفراء. والزجاج - وقال الأخفش: إن - التاء فيه للمبالغة كما في نسابة وعلامة، وأصله مثوبة على وزن مفعلة مصدر ميمي، أو ظرف مكان، واللام في الناس للجنس وهو الظاهر وجوز حمله على العهد أو الاستغراق العرفي، وقرأ الأعمش، وطلحة (مثابات) على الجمع لأنه مثابة كل واحد من الناس لا يختص به أحد منهم * (سواء العاكف فيه والباد) * (الحج: 25) فهو وإن كان واحدا بالذات إلا أنه متعدد باعتبار الإضافات، وقيل: إن الجمع بتنزيل تعدد الرجوع منزلة تعدد المحل أو باعتبار أن كل جزء منه مثابة، واختار بعضهم ذلك زعما منه أن الأول يقتضي أن يصح التعبير عن غلام جماعة بالمملوكين ولم يعرف، وفيه أنه قياس مع الفارق إذ له إضافة المملوكية إلى كلهم لا إلى كل واحد منهم * (وأمنا) * عطف على * (مثابة) * وهو مصدر وصف به للمبالغة، والمراد موضع أمن إما لسكانه من الخطف؛ أو لحجاجه من العذاب حيث إن الحج يزيل ويمحو ما قبله غير حقوق العباد والحقوق المالية كالكفارة على الصحيح، أو للجاني الملتجيء إليه من القتل - وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه - إذ عنده لا يستوفى قصاص النفس في الحرم لكن يضيق على الجاني ولا يكلم ولا يطعم ولا يعامل حتى يخرج فيقتل، وعند الشافعي رضي الله تعالى عنه من وجب عليه الحد والتجأ إليه يأمر الإمام بالتضييق عليه بما يؤدي إلى خروجه فإذا خرج أقيم عليه الحد في الحل فإن لم يخرج جاز قتله فيه،
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»