تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٣
من الربح بقرينة ما يأتي، ومن الناس من حمل الموصول على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عكرمة وقتادة، فالمراد من (الكتاب) حينئذ القرآن، ومنهم من حمله على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وإليه ذهب ابن كيسان، فالمراد من الكتاب حينئذ الجنس ليشمل الكتب المتفرقة، ومنهم من قال بما قلنا إلا أنه جوز عود ضمير * (به) * إلى * (الهدى) * (البقرة: 120) أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الله تعالى، وعلى التقديرين يكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة أو من التكلم إليها ولا يخفى ما في بعض هذه الوجوه من البعد البعيد.
* (ومن يكفر به) * أي الكتاب بسبب التحريف والكفر بما يصدقه، واحتمالات نظير هذا الضمير مقولة فيه أيضا. * (فأول‍ائك هم الخ‍اسرون) * من جهة أنهم اشتروا الكفر بالإيمان، وقيل: بتجارتهم التي كانوا يعملونها بأخذ الرشا على التحريف.
* (ي‍ابنىإسراءيل اذكروا نعمتى التىأنعمت عليكم وأنى فضلتكم على الع‍المين) * * (واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شف‍اعة ولا هم ينصرون) * (123) تكرير لتذكير بني إسرائيل وإعادة لتحذيرهم للمبالغة في النصح، وللإيذان بأن ذلك فذلكة القصة والمقصود منها - وقد تفنن في التعبير فجاءت الشفاعة أولا: بلفظ القبول متقدمة على - العدل - وهنا: - النفع - متأخرة عنه، ولعله - كما قيل - إشارة إلى انتفاء أصل الشيء وانتفاء ما يترتب عليه، وأعطي المقدم وجودا تقدمه ذكرا، والمتأخر وجودا تأخره ذكرا، وقيل: إن ما سبق كان للأمر بالقيام بحقوق النعم السابقة، وما هنا لتذكير - نعمة بها فضلهم على العالمين - وهي نعمة الإيمان ببني زمانهم، وانقيادهم لأحكامه ليغتنموها ويؤمنوا ويكونوا من الفاضلين - لا المفضولين - وليتقوا بمتابعته عن أهوال القيامة وخوفها - كما اتقوا بمتابعة موسى عليه السلام.
* (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلم‍ات فأتمهن قال إنى ج‍اعلك للناس إماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدي الظ‍المين) * * (وإذ ابتلى إبرااهم ربه بكلم‍ات) * في متعلق * (إذ) * احتمالات تقدمت الإشارة إليها في نظير الآية، واختار أبو حيان تعلقها ب * (قال) * الآتي، وبعضهم بمضمر مؤخر، أي كان كيت وكيت والمشهور: تعلقها بمضمر مقدم تقديره - اذكر - أو - اذكروا - وقت كذا، والجملة حينئذ معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة، والجامع الاتحاد في المقصد؛ فإن المقصد من - تذكيرهم وتخويفهم - تحريضهم على قبول دينه صلى الله عليه وسلم، واتباع الحق، وترك التعصب، وحب الرياسة، كذلك المقصد من قصة إبراهيم عليه السلام وشرح أحواله، الدعوة على ملة الإسلام؛ وترك التعصب في الدين، وذلك لأنه إذا علم أنه نال - الإمامة - بالانقياد لحكمه تعالى وأنه لم يستجب دعاءه في الظالمين وأن الكعبة كانت مطافا ومعبدا في وقته مأمورا هو بتطهيره، وأنه كان يحج البيت داعيا مبتهلا - كما هو في دين النبي صلى الله عليه وسلم - وأن نبينا عليه الصلاة والسلام من دعوته، وأنه دعا في حق نفسه وذريته بملة الإسلام، كان الواجب على من يعترف بفضله وأنه من أولاده، ويزعم اتباع ملته؛ ويباهي بأنه من ساكن حرمه وحامي بيته، أن يكون حاله مثل ذلك، وذهب عصام الملة والدين إلى جواز العطف على * (نعمتي) * (البقرة: 122) أي: اذكروا وقت - ابتلاء إبراهيم - فإن فيه ما ينفعكم ويرد اعتقادكم الفاسد أن آباءكم شفعاؤكم يوم القيامة، لأنه لم يقبل دعاء إبراهيم في - الظلمة - ويدفع عنكم حب الرياسة المانع عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يعلم منه أنه لا ينال الرياسة الظالمين واعترض بأنه خروج عن طريق البلاغة مع لزوم تخصيص الخطاب بأهل الكتاب وتخلل * (اتقوا) * (البقرة: 123) بين المعطوفين - والابتلاء - في الأصل الاختبار - كما قدمنا -
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»