التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٢ - الصفحة ٥٧
وأنذرهم وخص بهم البشارة والنذارة لأنهم هم الذين ينتفعون بها ويجوز أن يتعلق بالبشارة وحدها ويكون المتعلق بنذير محذوف أي نذير للكافرين والأول أحسن * (من نفس واحدة) * يعني آدم * (زوجها) * يعني حواء * (ليسكن إليها) * يميل إليها ويستأنس بها * (تغشاها) * كناية عن الجماع * (حملت حملا خفيفا) * أي خف عليها ولم تلق منه ما يلقى بعض الحوامل من حملهن من الأذى والكرب وقيل الحمل الخفيف المني في فرجها * (فمرت به) * قيل معناه استمرت به إلى حين ميلاده وقيل معناه قامت وقعدت * (فلما أثقلت) * أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة * (لئن آتيتنا صالحا) * أي ولدا صالحا سالما في بدنه * (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) * أي لما آتاهما ولدا صالحا كما طلبا جعل أولادهما له شركاء فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وكذلك فيما آتاهما أي فيما آتى أولادهما وذريتهما وقيل إن حواء لما حملت جاءها إبليس وقال لها إن أطعتيني وسميت ما في بطنك عبد الحارث فسأخلصه لك وكان اسم إبليس الحارث وإن عصيتيني في ذلك قتلته فأخبرت بذلك آدم فقال لها إنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة فلما ولدت مات الولد ثم حملت مرة أخرى فقال لها إبليس مثل ذلك فعصته فمات الولد ثم حملت مرة ثالثة فسمياه عبد الحارث طمعا في حياته فقوله جعلا له شركاء فيما آتاهما أي في التسمية لا غير لا في عبادة غير الله والقول الأول أصح لثلاثة أوجه أحدها أنه يقتضي براءة آدم وزوجه من قليل الشرك وكثيره وذلك هو حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والثاني أنه يدل على أن الذين أشركوا هم أولاد آدم وذريته لقوله تعالى * ( فتعالى الله عما يشركون) * بضمير الجمع والثالث أن ما ذكروا من قصة آدم وتسمية الولد عبد الحارث يفتقر إلى نقل بسند صحيح وهو غير موجود في تلك القصة وقيل من نفس واحدة وهو قصي بن كلاب وزوجته وجعلا له شركاء أي سموا أولادهما عبد العزى وعبد الدار وعبد مناف وهذا القول بعيد لوجهين أحدهما أن الخطاب على هذا خاص بذرية قصي من قريش والظاهر أن الخطاب عام لبني آدم والآخر أن قوله وجعل منها زوجها فإن هذا يصح في حواء لأنها خلقت من ضلع آدم ولا يصح في زوجة قصي * (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) * هذه الآية رد على المشركين من بني آدم والمراد بقوله ما لا يخلق شيئا الأصنام وغيرها مما عبد من دون الله والمعنى أنها مخلوقة غير خالقة والله تعالى خالق غير مخلوق فهو الإله وحده * (ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون) * يعني أن الأصنام لا ينصرون من عبدهم ولا ينصرون أنفسهم فهم في غاية العجز والذلة فكيف يكونون آلهة * (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) * يعني أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى أن تهدي أو إلى أن تهدى لأنها جمادات * (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) * تأكيد وبيان لما قبلها فإن قيل لم قال أم أنتم صامتون فوضع الجملة الإسمية موضع الجملة الفعلية وهلا قال أو صمتم فالجواب إن صمتم عن دعاء الأصنام كانت حالة مستمرة فعبر هنا
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»