الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١٨
كريم. قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين. قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني
____________________
كريم) تقول هذا بشرى: أي حاصل بشرى بمعنى هذا بشرى، وتقول هذا لك بشرى أم بكري، والقراءة هي الأولى لموافقتها المصحف ومطابقة بشر لملك (قالت فذلكن) ولم تقل فهذا وهو حاضر رفعا لمنزلته في الحسن واستحقاق أن يحب ويتفنن به وربا بحاله واستبعادا لمحله، ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهن: عشقت عبدها الكنعاني، تقول هو ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتني فيه: تعنى أنكن لم تصورنه بحق صورته، ولو صورتنه بما عاينتن لعذرتنني في الافتتان به. الاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد، كأنه في عصمة وهو يجتهد في الاستزادة منها، ونحوه استمسك واستوسع الفتق واستجم الرأي واستفحل الخطب، وهذا بيان لما كان من يوسف عليه السلام لا مزيد عليه، وبرهان لا شئ أنور منه على أنه برئ مما أضاف إليه أهل الحشو مما فسروا به الهم والبرهان. فإن قلت: الضمير في (آمره) راجع إلى الموصول أم إلى يوسف؟ قلت: بل إلى الموصول، والمعنى: ما آمر به، فحذف الجار كما في قولك أمرتك الخير، ويجوز أن تجعل ما مصدرية فيرجع إلى يوسف ومعناه: ولئن لم يفعل أمري إياه: أي موجب أمري ومقتضاه. قرئ وليكونا بالتشديد والتخفيف، والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفا على حكم الوقف وذلك لا يكون إلا في الخفيفة. وقرئ السجن بالفتح على المصدر وقال (يدعونني) على إسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن تنصحن له وزين له مطاوعتها وقلن له: إياك وإلقاء نفسك في السجن والصغار، فالتجأ إلى ربه عند ذلك وقال:
رب نزول السجن أحب إلى من ركوب المعصية. فإن قلت: نزول السجن مشقة على النفس شديدة وما دعونه إليه لذة عظيمة، فكيف كأنت المشقة أحب إليه من اللذة؟ قلت: كانت إليه وآثر عنده نظرا في حسن الصبر
(٣١٨)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»