شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٢٥
محدث مربوب مدبر) خلقه وصنعه وأحدثه ورباه ودبره اللطيف الخبير على وفق الإدارة ومقتضى الحكمة.
* الأصل:
4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن بحر، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يروون أن الله خلق آدم على صورته، فقال: هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور والمختلفة، فأضافها إلى نفسه، كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه. فقال: بيتي، (ونفخت فيه من روحي).
* الشرح:
(عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن بحر) كوفي ضعيف ولكن ضعفه لا يضر بصحة مضمون هذا الحديث لا عتضاده بالعقل والنقل (عن أبي أيوب الخزاز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يروون) يعني العامة (أن الله تعالى خلق آدم على صورته فقال: هي صورة محدثة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة) كما قال:
(وصوركم فأحسن صور كم) (فأضافها إلى نفسه) تشريفا وتكريما وإظهارا لاصطفائها (كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه فقال: بيتي، ونفخت فيه من روحي) تشريفا وتكريما وتبيينا; لأن المضاف مصطفاه ومختاره، وما يفيد هذا التشبيه من أن إضافة الروح إلى نفسه لأجل أنه اصطفاه واختاره على سائر الأرواح لا لأجل أنه هو الله عز شأنه هو المقصود بالإفادة في هذا الباب وقد روى الصدوق رحمه الله - في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) بإسناده عن الحسين بن خالد وروى الشيخ الطبرسي رضي الله عنه في كتاب الاحتجاج مرسلا عن الحسين بن خالد أيضا قال:
قلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله خلق آدم على صورته (1)

1 - قوله: «إن الله تعالى خلق آدم على صورته» مصرح به في التوراة، ورووه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإما أن يكون من الإسرائيليات التي دخلت في أحاديث المسلمين من أحبار اليهود وإما أن يكون له تأويل على خلاف ظاهره، والحق أن الإنسان هو الذي خلق صورة الله تعالى على وفق صورته فإنه يظن صورته على أكمل ما يمكن أن يكون فتوهم أن الله تعالى مثله. وقال صدر المتألهين: هذا الحديث مما لا خلاف في كونه مرويا عن النبي (صلى الله عليه وآله).
أقول: ولكن الخلاف في صحة الرواية. ثم تأول في معناه بما هو صحيح في نفسه. وإن لم يكن الرواية صحيحة وطابق بين صورة الإنسان وصورة العالم الكبير فشبه القلب بالعرش والدماغ بالكرسي والحواس بالملائكة والأعضاء بالسماوات والقدرة في العضلة بالطبيعة في العناصر، ففي الحقيقة خلق الله تعالى آدم على صورة مخلوقه الكبير. وغرض الإمام (عليه السلام) نفي كون الله تعالى جسما على صورة الإنسان وغيره.
ويلحق بمن يقول خلق الله آدم على صورته من يقول خلق الله آدم على صفات أو غرائز تشبه صفاته تعالى ويثبت له الغضب والرضا والمحبة والعشق والندامة والأسف وغيرها بالمعنى الذي يثبت للانسان وهو سبحانه بريء من كل تأثر وانفعال وربما يتعجبون مما ورد في عقاب العاصين بالنار أو ما ينزل على العباد من البلاء كالزلازل والطوفان والحرق والخسف وما يهلك به الصالح والطالح والشيخ الكبير والطفل الصغير لأنه يرى كل ذلك ينافي رقة القلب التي جعلت في الإنسان لتجنبه من الإفساد وتنفره من الظلم والله تعالى منزه من الإفساد والظلم والرقة والقسوة، وكل ما يفعل فهو بعلمه العنائي وحكمته الكاملة لا يمنعه من إنفاذه كما لم يمنع الأنبياء المجاهدين في سبيل الله عن إهلاك الكفار رقة، ورقته تنافي الحكمة، وأعلم أن كل غريزة وصفة خلقها الله في الإنسان لغاية حكمية يحتاج إليها فكل ما يستحسنه يميل إليه بطبعه أو يتنفر عنه ويفر منه فهو لحاجة مثلا يستحسن الماء والخضر والأشجار والأزهار جعله الله فيه ليرغب في عمران الأرض وتكثير الحرث وأرزاق العباد ويستحسن الرجل النساء الحسان والمرأة الرجل لبقاء النسل ويخاف من الظلمة; لأن النور معين له في جلب المنافع ودفع المضار ويتنفر من القذر والنتن لحفظ الصحة ويخاف من الموتى ليسهل عليه دفن أعزته في التراب وخلق فيه الترحم بالنسبة إلى الضعاف والصغار والمحبة للأصدقاء والرقة والغضب والحزن وغير ذلك ومرجع جميعها إلى الحاجة وجل الحق تعالى عن الحاجة فلا يعقل إثبات هذه الصفات له. وربما يعترض الملاحدة على الموحدين بأن الله أرحم الراحمين في اعتقادكم كيف يخلق الشر والآفة ونقص الأعضاء والأوجاع ونحن نعالج ونشفى يريدون بذلك أن ينسبوا تلك كلها إلى طبيعة لا تفعل ما تفعل لغرض، والجواب: أنه تعالى ليس على صفات البشر ولا يقاس فعله على فعله وما ذكرتم أمور يفعلها الله تعالى لمصلحة وان كانت تخالف رقة القلب التي في الإنسان وحب الحياة والبقاء فيه كما أنه ليس هذه الرقة لجراح يقطع الطفل الصغير قطعا في رحم المرأة لتسلم أمها. (ش)
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست