فإن قلت: سبق عند الكلام على قول المصنف ولا يسمع القاضي الشهادة على الجرح المجرد أن المدعى عليه إذا أقام البينة أن المدعي استأجر الشهود بعشرة دراهم من ماله الذي في يده وطلب استرداده تقبل.
قلت: لا يلزم من قبول البينة المدعى عليه لرد الشهادة كونهم شهود زور حتى لا يلزمهم التعزير. قوله: (ولم يدع سهوا ولا غلطا) في البحر عن فتح القدير: ولو قال غلطت أو ظننت ذلك قيل هما بمعنى كذبت لاقراره بالشهادة بغير علم، ويخالفه ما ذكره الشارح فإنه جعلهما كنسيت فلا تعزير وهو الظاهر ا ه. قوله: (ولا يمكن إثباته) أي إثبات تزويره، أما إثبات إقراره فممكن كما لا يخفى. تأمل. قوله: (لأنه من باب النفي) لأنها تقوم على أنه شهد بغير حق ولا يلتفت إلى ذلك.
حلبي.
قال في البحر: وخرج ما إذا ردت شهادته لتهمته المخالفة بين الشهادة والدعوى أو بين شهادتين فإنه لا يعزر، لأنا لا ندري من هو الكاذب منهم المشهود له أو الشاهدان أو أحدهما، وقد يكذب المدعي لينسب الشاهد إلى الكذب، ولا يمكن إثباته بالبينة لأنه من باب النفي، والبينة حجة الاثبات في إقراره على نفسه فيقبل إقراره، ويجب عليه موجبه من الضمان أو التعزير. ذكره الشارح الزيلعي. وبه علم أنه لا يمكن إثبات الزور بالبينة. وفي كافي الحاكم: ومن التهاتر أن يشهد أن هذا الشئ لم يكن لفلان فهذا مما لا يقبل وكذا لو شهدا أنه لم يكن لفلان على فلان دين، ومن شهد أن هذا لم يكن فقد شهد بالباطل والحاكم يعلم أنه كاذب ا ه. وظاهره أنه من قبيل الزور فيعزر، فعلى هذا يعزر بإقراره، أو بتيقن كذبه، وإنما لم يذكره المؤلف إما لندرته وإما لأنه لا محيص له أن يقول كذبت أو ظننت ذلك أو سمعت ذلك فشهدت، وهما بمعنى كذبت لاقراره بالشهادة بغير علم، فجعل كأنه قال ذلك. كذا في البناية. وجعل في إيضاح الاصلاح نظير مسألة ظهوره حيا بعد الشهادة بموته أو قتله ما إذا شهدوا برؤية الهلال فمضى ثلاثون يوما وليس في السماء علة ولم يروا الهلال ا ه.
قال الرملي: قال في فصول العمادي: شهدا أن لفلان على هذا الرجل ألف درهم فقضى القاضي بشهادتهما وأمر المدعى عليه بدفع المال وهو الألف إلى المدعي ثم أقام المدعى عليه البينة على البراءة فإن الشاهدين يضمنان، والمدعى عليه بالخيار في تضمين المدعي أو الشاهدين لأنهما حققا عليه إيجاب المال في الحال، فإذا أقام البينة على البراءة فقد ظهر كذبهما فصارا ضامنين فغرما ا ه. وظاهره أن الشاهد يكون شاهد زور، إلا أن يحمل ظهور الكذب النسب إلى المال لا إلى التعزير، والله تعالى أعمل. ذكره الغزي ا ه. قوله: (عزر) لان شهادة الزور كبيرة يتعدى ضررها إلى العباد ليس فيها حد مقدر، قال عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس عدلت شهادة الزور الاشراك بالله تعالى ثم تلا قوله تعالى:
* (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) * (الحج: 30) وعدها من الكبائر حين سئل عنها.
قال في كافي الحاكم: اعلم أن شاهد الزور يعزر إجماعا، اتصل القضاء بشهادته أو لا، لأنه ارتكب كبيرة اتصل ضررها بالمسلمين، وليس فيها حد يقدر فيعزر زجرا له وتنكيلا ا ه. قوله:
(بالتشهير وعليه الفتوى) أي لا بالضرب وهو قول الإمام لأنه كان يقول تعزيره تشهيره. قال في السراجية: والفتوى على قوله. واستدل الامام بأن شريحا كان يشهر ولا يضرب، وكان يبعثه إلى سوقه إن كان سوقيا وإلى قومه إن لم يكن سوقيا بعد العصر أجمع ما كانوا: أي مجمعين أو إلى موضع أكثر