شهود الأصل الشهادة موافقة لما في الكافي، ولا يخفى على أحد مغايرة الاشهاد للشهادة، فكيف يصح تفسيرها به؟ ولعل منشأ غلطه قولهم، لان التحميل لم يثبت للتعارض، فإن معنى لتحميل هو الاشهاد، وخفي عليه أن التحميل لا يثبت أيضا إذا أنكر أصل الشهادة، بل هذا أبلغ من إنكار الاشهاد لأنه كناية، وهي أبلغ من التصريح.
وفي الشرنبلالية عن الفاضل المرحوم جوى زاده أقول: لم يرد الزيلعي تفسير لفظ الشهادة بالاشهاد، بل أراد أن مدار مدار بطلان شهادة الفرع على إنكار الأصل للاشهاد حتى يبطل ما لو قال لي شهادة على هذه الحادثة لكن لم أشهد، والمذكور في المتن تصوير المسألة في صورة من صورتي إنكار الاشهاد: وهي صورة إنكار الشهادة رأسا، إذ لا شك في فوات الاشهاد في هذه الصورة أيضا، وأنه ليس المراد بما في المتن حصر البطلان بصورة إنكار الشهادة، ولم يخف عليه أن التحميل لا يثبت أيضا مع إنكار أصل الشهادة وإنما يكون خافيا عليه لو توهم عدم بطلان شهادة الفرع حينئذ وحاشاه عن ذلك، وإذ قد عرفت أن البطلان يعم صورة إنكار الشهادة رأسا وصورة الاقرار بها وإنكار الاشهاد تحققت أن كون التركيب أبلغ في إنكار الشهادة غير مراد ا ه ما قاله الفاضل. وصورة إنكار الشهادة ما قاله في الجوهرة: وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفروع بأن قالوا ليس لنا شهادة في هذه الحادثة وغابوا وماتوا ثم جاء الفروع يشهدون على شهادته في هذه الحادثة أو قالوا لم نشهد الفروع على شهادتنا فإن شهادة الفروع لم تقبل، لان التحميل لم يثبت وهو شرط ا ه.
أقول: فتحصل من عبارة الفاضل ما يفيد أن الأولى التعبير بالاشهاد، لان إنكار الشهادة لا يشمل ما إذا قال لي شهادة على هذه الحادثة لكن لم أشهدهم، بخلاف إنكار الاشهاد فإنه يشمل هذا، ويشمل إنكار الشهادة لان إنكارها يستلزم إنكاره، فإنكار الاشهاد نوعان: صريح، وضمني. ولهذا غبر الزيلعي وصاحب البحر بالاشهاد، وبه اندفع اعتراض الدرر على الزيلعي، وظهر أيضا أن قول الشارح هنا أو لم نشهدهم ليس في محله، لأنه ليس من أفراد إنكار الشهادة لان معناه لنا شهادة ولم نشهدهم. فتأمل.
أقول: ولكن لا يلزم من عدم التحميل عدم وجود شهادة مع الأصول، وعليه فيتجه كلام الشارح. تأمل. وكتب المولى عبد الحليم على قول الدرر: ولعل منشأ غلطه الخ لا خفاء في أن كلا من صورتي المسألة مقصود هنا، إلا أن إحداهما لو مقصودة بالذات تكون الأخرى مقصودة بالتضمن، فإن إنكار الأصل الشهادة يقتضي بطلان شهادة الفرع، سواء أقر الأصل الشهادة لنفسه كما هو الظاهر أو لم يقر، فلكل وجهة وعبارة الفقهاء: وهي إن أنكر شهود الأصل الشهادة يتبادر تصوير الكافي، وتعليلهم بقولهم لان التحميل لم يثبت للتعارض يتبادر منه تصوير الزيلعي، إذ الظاهر في التعليل على الأول أن يقال: لان الشهادة لم توجد للأصول في هذه الحادثة فكيف يوجد التحميل؟ ويصح لو وجد وكيف تقبل شهادة الفرع، فظهر أنه لم يخف فضلا عن الغلط على الامام الزيلعي، سيما أن شأنه عال من أن يخفى عليه مثل هذا المقام لمثله، إذ هو من مشايخ الفقه يرجع إليه، ويعتمد عليه هذا العلم عند الله تعالى، ثم بطلان شهادة الفرع وعدم قبولها لو كان الانكار من الأصل قبل أداء الفرع، وحكم القاضي بشهادته بأنه يثبت على الفرع إنكار الأصل، وأما بعد الأداء والقبول والحكم بها فلا يلتفت إلى إنكاره كما لا يخفى انتهى. وقال: وأنت خبير بأن إنكاره لها لا يستلزم إنكاره له، لان الأصل يحتمل