وفي البزازية: ادعى الشراء منذ شهرين فشهدا بالشراء منذ شهر قبلت وبقلبه لا. قوله: (تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبولها) فيه إشارة إلى أن ما لا يشترط فيه الدعوى لا يضر فيه مخالفتها للشهادة ا ه، أي لان الشهادة حيث قبلت بلا دعوى فوجود المخالفة كلا وجود.
وفي جامع الفتاوى: ادعت على زوجها أنه وكل وكيلا على الطلاق فطلقني فشهد الشهود أنه طلقها بنفسه يقع الطلاق.
قال في العناية: الشهادة إذا وافقت الدعوى قبلت وإن خالفتها لم تقبل، قد عرفت معنى الشهادة فأعلم أن الدعوى هي مطالبة حق في مجلس من له الخلاف عند ثبوته، وموافقتها هو أن يتحدا نوعا وكما وكيفا ومكانا وزمانا وفعلا وانفعالا ووصفا وملكا ونسبة، فإنه إذا ادعى على آخر عشرة دنانير وشهد الشاهد بعشرة دراهم، أو ادعى عشرة دراهم وشهد بثلاثين، أو ادعى سرق ثوب أحمر وشهد بأبيض، أو ادعى أنه قتل وليه يوم النحر بالكوفة وشهد بذلك يوم الفطر بالبصرة، أو ادعى شق زقه وإتلاف ما فيه به وشهد بانشقاقه عنده، أو ادعى عقارا بالجانب الشرقي من ملك فلان وشهد بالغربي منه، أو ادعى أنه ملكه وشهد أنه ملك ولده، أو ادعى أنه عبده ولدته الجارية الفلانية وشهد بولادة غيرها لم تكن الشهادة موافقة للدعوى. وأما الموافقة بين لفظيهما فليست بشرط، ألا ترى أن المدعي يقول ادعى علي غريمي هذا والشاهد يقول أشهد بذلك، واستدل المصنف رحمه الله تعالى على ذلك بقوله: لان تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبول الشهادة وقد وجدت فيما توافقها وانعدمت فيما تخالفها، أما تقدمها فيما شرط لقبولها فلان القاضي نصب لفصل الخصومات فلا بد منها، ولا نعني بالخصومة إلا الدعوى. وأما وجودها عند الموافقة لعدم ما يهدرها من التكذيب. وأما عدمها عند المخالفة فلوجود ذلك، لان الشهادة لتصديق الدعوى، فإذا خالفتها فقد كذبتها فصار وجودها وعدمها سواء. وفيه بحث من وجهين.
أحدهما: أنه قال: تقدم الدعوى شرط قبول الشهادة وقد وجدت فيما توافقها وهو مسلم، وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط.
والثاني: أنه عند المخالفة تعارض كلام المدعى والشاهد، فلما المرجح لصدق الشاهد حتى اعتبر دون كلام المدعي؟ والجواب عن الأول أن علة قبول الشهادة التزام الحاكم سماعها عند صحتها وتقدم الدعوى شرط ذلك، فإذا وجد فقد انتفى المانع فوجب القبول بوجود العلة وانتفاء المانع، لا أن وجود الشرط استلزم وجوده. وعن الثاني بأن الأصل في الشهود العدالة لا سيما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، ولا يشترط عدالة المدعي لصحة دعواه فرجحنا جانب الشهود عملا بالأصل اه.
قال في الحواشي السعدية: أما وجودها عند الموافقة فظاهر، وأما عدمها عند المخالفة فكذلك لظهور أن ليس المراد من تقدم الدعوى تقدم أية دعوى كانت بل تقدم دعوى ما يشهد به الشهود.
وتمامه فيها. قوله: (فإذا وافقتها قبلت) أي وافقتها معنى، وصدر الباب بهذه المسألة مع أنها ليست من الاختلاف في الشهادة لكونها كالدليل لوجوب اتفاق الشاهدين، ألا ترى أنهما لو اختلفا لزم اختلاف الدعوى والشهادة كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة. سعدية.