قال المصنف في منحه: أقول: كلامه يقتضي أن بينة الاكراه إنما تقدم على بينة الطوع عند التعارض، وأما إذا لم يحصل التعارض فبينة الطوع أولى فتكون المسألة ثلاثية، وهي إما أن يؤرخا أو لا، فإن كان الأول وهو ما إذا أرخا فإما أن يتحد التاريخ أو يختلف، فإن كان الأول فبينة الاكراه أولى، وإن كان الثاني وهو ما إذا اختلف التاريخ أو لم يؤرخا فبينة الطوع أولى ا ه.
تتمة: قال في العمادية: لا حاجة في دعوى الاكراه إلى تعيين المكره كما لا حاجة في دعوى السعاية إلى تعيين العوان، وقيل لا بد من تعيين العوان، والأول أصح ا ه.
فائدة: بينة الحرية مقدمة على غيرها لأنها تثبت أمرا زائدا وهو ولاية التصرف وأهلية الشهادة وغير ذلك كما في جامع الفصولين.
فائدة أخرى: بينة الرجوع عن الوصية أولى من بينة كونه موصيا مصرا إلى الوفاة. حامدية عن أبي السعود.
أقول: وهذا إذا لم يقض بالبينة الأولى، فإن قضى بالوصية وأقيمت بينة أخرى على الرجوع لا تقبل الشهادة ولا الدعوى لأنها تتضمن نقض القضاء، والقضاء يصان عن الالغاء ما أمكن كما قدمناه عن شرح الزيادات في هذا الباب فراجعه، وانظر ما سنذكره آخر الباب. قوله: (واعتمده المصنف) حيث أقره. قوله: (بينة الفساد) تكرار مع مسألة الغبن المتقدمة. قوله: (فالقول لمدعي البطلان) لأنه منكر للعقد، والظاهر أن البينة بينة الصحة لأنها أكثر إثباتا، فإن بينة البطلان لم تفد أمرا جديدا.
حموي. ومثله في شرح المجمع لابن ملك عن الفتاوى الصغرى. قوله: (لمدعي الصحة) مفاده أن البينة بينة الفساد، لان مدعي الفساد يدعي أمرا زائدا وهو المفسد كالشرط الفاسد، ومدعي الصحة ينكره والقول للمنكر أيضا، وهذا باتفاق الروايات إن كان يدعي فسادا بشرط فاسد أو أجل فاسد، وإن كان يدعي فسادا في صلب العقد بأن ادعى الشراء بألف ورطل من خمر وأنكر الآخر فيه روايتان، وظاهر الرواية عنه كالأول. قوله: (إلا في مسألة الإقالة) كما تقدم في بابها. وهي: لو ادعى المشتري أنه باع المبيع من البائع بأقل من الثمن قبل النقد وادعى البائع الإقالة فالقول للمشتري مع أنه يدعي فساد العقد، وهذا ليس مما نحن فيه لان كلامنا فيما إذا اتفقا على عقد واحد ادعى أحدهما صحته والآخر فساده فالقول لمدعي الصحة لأنه الأصل في العقود والأليق بحال المسلم، وهنا قد اتفقا على صحة البيع ثم ادعى البائع فسخه بالإقالة وأنكر ذلك المشتري والقول قول المنكر غير أن المشتري أقر بعقد فاسد يجب رفعه وإبطاله، لكن صاحب الأشباه بعد ذكر المسألة قال: ولو كان على القلب تحالفا، ظاهره أنه إذا ادعى البائع الشراء الفاسد والمشتري الإقالة فلينظر وجهه. قال الحموي: قيل ينبغي أن يكون هذا الفرع داخلا تحت الأصل المذكور ليحتاج إلى استثنائه، لأنه لم يدع صحة العقد وإنما ادعى الإقالة والمشتري ينكرها فيكون القول قوله ا ه.
أقول: فيما قاله نظر، فإن ادعاء الإقالة مستلزم لادعاء صحة البيع، إذ الإقالة لا تكون في غير الصحيح.