وكان سيدي رحمه الله تعالى ورعا في سائر أحواله، وعلى الخصوص في حال إحرامه في حجته المذكورة، فإنه تحرى للطام غاية التحري مع قلة تناول الطعام إلا بقدر الضرورة.
وكان رحمه الله تعالى كثير البر والصلة لأرحامه يواسيهم بأفعاله وماله، بالخصوص شقيقه العلامة الفاضل الفقيه الصوفي التقي الصالح السيد عبد الغني، وكان يعتنى ويتفرس الخير بأكبر أولاده، وهو العالم العلامة العمدة الفهامة الشيخ السيد أحمد أفندي أمين الفتوى بدمشق حالا، ويهتم بتربيته ويقول لوالده: دع لي من ولدك السيد أحمد وأنا أربيه وأعمله، فعلمه القرآن العظيم وأقرأه مسلسلات العلامة ابن عقلية، أجازه إجازة عامة حتى صار من أفاضل عصره، وله تأليفات عديدة:
منها شرح مولد أين حجر شرحه شرحا لم يسبق على منواله، وشرح علم الحال الذي ألف صاحب السماحة والفضيلة، جندي زاده أمين أفندي العباسي رئيس ديوان تمييز ولاية سوريا. ونشأ له ولدان نجيبان فاضلان: أحدهما السيد محمد أبو الخير، مسود الفتوى بدمشق، وخطيب جامع برسبايي الشهير بجامع الورد ومدرسه. وثانيهما السيد راغب إمام الجامع المذكور.
وكان سيدي رحمه الله تعالى ذهب مرة مع شيخه السيد محمد شاكر المذكور لزيارة بعض علماء الهند وصلحائها الشيخ محمد عبد النبي لما ورد دمشق، فلما دخلا عليه جلس شيخ سيدي وبقي سيدي واقفا في العتبة بين يدي شيخه حاملا نعله بيده كما هو عادته مع شيخه، فقال الشيخ محمد عبد النبي لشيخ سيدي مر هذا الغلام السيد فليجلس فإني لا أجلس حتى يجلس فإنه ستقبل يده وينتفع بفضله في سائر البلاد وعليه نور آل بيت النبوة، فقال له الشيخ محمد شاكر اجلس يا ولدي وكذلك، وفع له مع شيخه المذكور إشارة نظير هذه من الامام الصوفي الشهير والولي الكبير الشيخ طه الكردي قدس سره، ومن ذاك الوقت زاد اعتناء الشيخ به والتفاته إليه بالتعليم. وكان شيخ المذكور كثيرا ما يأخذه معه ويحضره دروس أشياخه، حتى أنه أخذه وأحضره درس شيخه العلامة العامل الولي الصالح شيخ الحديث الشيخ محمد الكزبري، واستجازه له فأجازه وكتب له إجازة عامة ظهر ثبته، مؤرخة في افتتاح ليلة غرة سنة عشر ومائتين وألف، وترجمه سيدي المرحوم في ثبته ترجمة حسنة فراجعها، ورثاه أيضا سيدي عند وفاته ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف بقصيدة مؤرخا وفاته فيها، ومطلعها:
خطب عظيم بأهل الدين قد نزلا فحسبنا الله في كل الأمور ولا وبيت التاريخ:
إمامنا الكزبري (1) نجم أفلا * فليل جلقه ما زال منسدلا وكذلك أحضره درس العالم العلامة الشيخ الكبير المحدث الشيخ أحمد العطار، واستجاره له فأجازه، وكتب له إجازة عامة على ظهر ثبته بخطه مؤرخة في منتصف محرم الحرام سنة ست عشرة ومائتين وألف. وقد ترجمه سيدي المرحوم الوالد، في ثبته عقود الآلي ترجمة حسنة فراجعها، ورثاه عند وفاته مع غروب الشمس بهار الخميس التاسع من ربيع الثاني سنة ثمان عشرة ومائتين وألف بقصيدة مؤرخا وفاته بها، ومطلعها:
ليقدح الجهل في البلدان بالشرر * وليكن العلم في كتب وفي سطر