من رفقائه وخدمه، أو أحدا من الناس أجمعين، اللهم إلا رأى منكرا فيغيره من ساعته على مقتضى الشريعة المطهرة العادلة، وكانت ترد إليه الأسئلة من غالب البلاد، وانتفع به خلق كثير من حاضر وباد.
وكان رحمه الله تعالى جعل وقت التأليف والتحرير في الليل فلا ينام منه إلا ما قل، وجعل النهار للدروس وإفادة التلامذة وإفادة المستفتين، ويلاحظ أمر دنياه شريكه من غير أن يتعاطى بنفسه، وكان في رمضان يتخم كل ليلة ختما كاملا مع تدبر معانيه، وكثيرا ما يستغرق ليله بالبكاء والقراءة، ولا يدع وقتا من الأوقات إلا وهو على طهارة، ويثابر الوضوء.
وكان رحمه الله تعالى حريصا على إفادة الناس وجبر خواطرهم، مكرما للعلماء والأشراف وطلبة العلم، ويواسيهم، بماله. وكان كثير التصدق على ذوي الهيئات من الفقراء الذين لا يسألون الناس الحافا، وكان غيورا على أهل العلم والشرف ناصرا لهم دافعا عنهم ما استطاع. وكان مهابا مطاعا نافذ الكلمة عند الحكام وأعيان الناس، يأكل من مال تجارته بمباشرة شريكة مدة حياته.
وكان رحمه الله تعالى ورعا دينا عفيفا حتى أن عرض عليه خمسون كيسا من الدراهم لأجل فتوى على قول مرجوح فردها ولم يقبل، وقد امتنع عن شراء العقارات الموقوفة التي عليها كدك أو محاكرة أو قيمة أو بالإجارتين، وكان وقف جده لام أبيه مشروطا ننظره للأرشد من ذرية الواقف، فامتنع من توليته وسلمه لأخيه، ولم يتفق له قبول هدية، من ذي حاجة أو مصلحة.
وكان رحمه الله تعالى طويل القامة شئن الأعضاء والأنامل، أبيض اللون أسود الشعر، فيه قليل الشيب لو عد شيبه لعد مقرون الحاجبين، ذا ووقار، وهيئة مستحسنة ونضار، جميل الصورة حسن السريرة، يتلألأ وجهه نورا، حسن البشر، والصحبة من اجتمع به لا يكاد ينساه لطلاوة كلامه ولين جانبه وتمام تواضعه على الوجه المشروع، كثر الفوائد لمن صاحبه والمفاكهة، ومجلسه مشتمل على الآداب وحسن المنطق والاكرام للواردين عليه من أهله ومحبيه وتلامذته ومصاحبيه، كل من جالسه يقول في نفسه أنا أعز عنده من ولده مجلسه محفوظ من الفحش والغيبة والتكلم بما لا يعني، لا تخلو أوقاته من الكتابة والإفادة والمراجعة للمسائل، صادق اللهجة ذا فراسة إيمانية وحكمة، لقمانية متين الدين لا تأخذه في الله لومة لائم، صداعا بالحق ولو عند الحاكم الجائر، تهابه الحكام والقضاة وأهل السياسة. كانت دمشق في زمنه أعدل البلاد وللشرع بها ناموس عظيم، لا يتجاسر أحد على ظلم أحد ولا على إثبات حق بغير وجه شرعي ولا في غالب البلاد القريبة منها، فإنه كان إذا حكم على أحد بغير وجه شرعي جاءه المحكوم عليه بصورة حجة القاضي فيفتيه ببطلانه ويراجع القاضي فينفذ فتواه، وقل أن تقع واقعة مهمة أو مشكلة مدلهمة في سائر البلاد أو بقية المدن الاسلامية وقراها إلا ويستفتى فيها مع كثرة العلماء الأكابر والمفتين في كل مدينة، وكانت أعراب البوادي إذا وصلت إليهم فتواه لا يختلفون فيها مع جهلهم بالشريعة المطهرة، وكانت كلمته نافذة وشفعته مقبولة وكتابة ميمونة، ما كتب لاحد شيئا إلا وانتفع به لصدق نيته وحسن سريرته، وقوة يقينه، وشدة دينه، وصلابته فيه.
وكان رحمه الله تعالى مغرما بتصحيح الكتب والكتابة عليها، فلا يدع شيئا من قيد أو اعتراض أو تنبيه أو جواب أو تتمة فائدة إلا ويكتبه على الهامش ويكتب المطالب أيضا. وكانت عنده كتب من سائر العلوم لم يجمع على منوالها، وكان كثير منها بخط يده ولم يدع كتابا منها إلا وعليه كتابه، وكان