أما بعد فيقول فقير رحمة ربه، وأسير وصمة ذنبه: (محمد علاء الدين ابن السيد محمد أمين ابن السيد عمر عابدين) غفر الله تعالى ذنوبهم، وملا من زلال العفو ذنوبهم، آمين: إنه لما سبقت الإرادة الإلهية، والمشيئة الرحمانية، بوفاة سيدي الوالد قبل إتمامه تبييض حاشية رد المختار، على الدر المختار، شرح تنوير الابصار فإنه رحمه الله تعالى ونوز ضريحه، وجعل أعلا الجنان ضجيعه لما وصل إلى أثناء شتى القضاء من هذا الكتاب، اشتاق إلى مشاهدة رب الأرباب، فنقل من دار الغرور إلى جوار مولاه الغور، وكان رحمه الله تعالى بدأ أولا في التسويد من الأول إلى الآخر، ثم شرع في التبييض فبدأ أولا من الإجارة إلى الآخر، ثم من أول الكتاب إلى انتهاء هذا التحرير الفاخر، وترك على نسخته الدر بعض تعليقات، وتحريرات واعتراضات، قد كاد تداول الأيدي أن يذهبها، لعدم من يذهبها مذهبها، وكان قد جرى الامر بطبعها في بولاق المصرية، فجمعتها برمتها بدون زيادة، حرف بالكلية، وأرسلتها فطبعت ثمة، حرصا على فوائدها الجمة، وكان كثيرا ما يخطر في زيادها مع ضم تحريرات، وبعض فروع وتقريرات لكن لم تساعد الاقدار، لا سيما مع شغل الأفكار، وقلة البضاعة في هذه الصناعة، حتى سافرت للأستانة العلية، دار الخلافة السنية، عام خمس وثمانين بعد المائتين، والألف، من هجرة من تم به الألف، وزال به الشقاق والخلف، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحته ألفا بعد ألف، ووظفت عضوا في الجمعية العلمية، التابعة لديوان، أحكام العدلية، لجمع المجلة الشرعية، تحت رياسة حضرة الوزير المعظم، والمشير المفخم، مدبر أمور جمهور الأمم، الجامع بين مرتبتي العلم والعمل، والحائز لفضيلتي السيف والقلم، صاحب الدولة، أحمد جودت باشا، بلغة الله تعالى من الخيرات ما شاء، وأسعد أيامه وحرسها، ألقى محبته في القلوب وغرسها، ولا زالت أعلام دولته مبتسمة الثغور، وأرقام رفعته منتظمة السطور، على مدى الدهور، آمين.
وبعد إقامتي مدة تقرب من ثلاث سنين قدمت الاستعفاء، لما في قلبي من الرمضاء، من فراق الأوطان والأهل والخلان، فأمرني قبل سفري من أمره مطاع، واجب الاستماع أن أتمم نقصها، وأتلافى ثلمها حنى وصولي إلى لوطن، وقراري بالسكن.
فلما رجعت بعد ثلاث سنين من سفري إلى وطني دمشق الشام، ذات الثغر البسام، استخرت الله تعالى المرة بعد المرة، بعد الكرة، في تكملة الحزم، معتمدا على الله تعالى الحزم ومتوكلا عليه في سائر الأمور في أن يحفظني من الخطأ والخلل، والهفوات والزلل، ومتوسلا، إليه بنبيه النبيه المكرم، صلى الله تعالى عليه وسلم، وبأهل طاعته من كل مقام على معظم، وبقدوتنا الامام الأعظم، أن يسهل على ذلك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، أن يعفو عن زللي، ويتقبل مني عملي، ويجعل ذلك خلصا لوجهه الكريم * (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله تقلب سليم) * الشعراء وينفع به العباد، في عامة البلاد، من ساكن وباد وأن يسلك بي سبيل الرشاد، ويلهمني الصواب والسداد، ويستر عوراتي، ويغفر خطيئاتي، ويسمح عن هفواتي وزلاتي، فإني متطفل على ذلك، لست من فرسان تلك المسالك، وهيهات المثلى أن يكون له اسم في طرس، أو أن يكون له في صحيفة غرس، بل أن يكون له في الناس ذكر، أو أن يخطر في بال أو يمر على فكر، فقد أوثقتني الذنوب والخطيئات وأقعدتني عن إدراك أدنى الدرجات، مع قصور باعي واندراس، رباعي وجمود مرمى سهام الألسن وموقع النظر الشزر من الأعين، حيث تجرأت على أمر غير سهل، مع كوني لست له بأهل، وتشبهت بالسادات الاعلام، الذين هم مصابيح الظلام. وهيهات أن يدرك السياق مقعد، أو