البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٦
الزنا الموجب للحد كما توهمه الزيلعي فإنه لو كان كذلك لانتقض التعريف طردا وعكسا. أما انتقاضه طردا فإنه يوجد في المجنون والمكره وفي وطئ الصبية التي لا تشتهي والميتة والبهيمة وفي دار الحرب ولا يجب الحد في هذه المواضع وهو زنا شرعي، وأما انتقاضه عكسا فبزنا المرأة فإن الحد انتفى ولم ينتف المحدود وهو الزنا الموجب للحد، فالزنا الموجب للحد هو وطئ مكلف طائع مشتهاة حالا أو ماضيا في القبل بلا شبهة ملك في دار الاسلام أو تمكينه من ذلك أو تمكينها ليصدق على ما لو كان مستلقيا فقعدت على ذكره فتركها حتى أدخلته فإنهما يحدان في هذه الصورة وليس الموجود منه سوى التمكين. والوطئ هو إدخال قدر الحشفة من الذكر في القبل أو الدبر. وبهذا عرف أن تعريف الزيلعي الزنا الموجب للحد بأنه وطئ مكلف في قبل المشتهاة عار عن ملكه وشبهته عن طوع ليس بتام وإن قال إنه أتم كما لا يخفى. وزاد في المحيط أن من شرائطه العلم بالتحريم حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة، وأصله ما روي سعيد بن المسيب أن رجلا زنى باليمن فكتب في ذلك عمر رضي الله عنه إن كان يعلم أن الله تعالى قد حرم الزنا فاجلدوه، وإن كان لا يعلم فعلموه، فإن عاد فاجلدوه. ولان الحكم في الشرعيات لا يثبت إلا بعد العلم فإن كان الشيوع والاستفاضة في دار الاسلام أقيم مقام العلم ولكن لا أقل من إيراث شبهة لعدم التبليغ ا ه‍.
وبه علم أن الكون في دار الاسلام لا يقوم مقام العلم في وجوب الحد كما هو قائم مقامه في الأحكام كلها. وتعقبه في فتح القدير بأن الزنا حرام في جميع الأديان والملل فالحربي إذا
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست